وليس هذا يعني أن الإنسان مالك لرقبته ملكًا يتصرف فيها كما يشاء، ولكن المعنى ليس عندي شيء وهذا كقول موسى:{رب إني لا أملك إلَّا نفسي}[المائدة: ٢٥]. ومعلوم أنه لا يملك نفسه ملك العبد، قال:"فصم شهرين متتابعين" أي: بدون إفطار بينهما، والفاء هنا- "فصم"- يسمونها فاء التفريع، أي: أن ما بعدها مفرع على ما قبلها، والمعنى: فإذا لم تجد شيئًا فصم شهرين متتابعين، قلت: وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام رضي الله عنه، يعني: كيف يستطيع صيام شهرين وقد عجز عن صيام شهر واحد؟ ! ، فقال:"أطعم فرقًا من تمر ... إلخ" الفرق بفتح الفاء والراء هو ما يسمى عندنا بالزنبيل ويسمى المكتل أيضًا يكون كبيرًا ويكون صغيرًا لكن لا شك أن الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم أنه فرق يحتمل أو يسع إطعام ستين مسكينًا.
في هذا الحديث عدة فوائد منها: شدة ورع الصحابة- رضي الله عنهم-، حيث إن سلمة لما خاف على نفسه من الوقوع في المحذور ذهب يظاهر؛ ليحمل نفسه على ترك جماع أهله، وذلك لأن الظهار كفارته مغلظة فالإنسان يخاف إذا حنث فيه أن يلزم بهذه الكفارة المغلظة.
ومنها: جواز الظهار الموقت، يعني: أن يظاهر الرجل امرأته لمدة شهر أو شهرين وما أشبه ذلك؛ لأن سلمة إنما ظاهر من امرأته شهر رمضان فقط ففيه جواز الظهار الموقت.
ومن فوائد الحديث: أن الظهار لا يجري مجرى اليمين؛ لأن هذا الظهار أراد به الامتناع هذه المدة ولكنه شبه امرأته بأمه فلا يجري مجرى اليمين أو مجرى تحريم المرأة؛ لأن الصحيح أن تحريم المرأة بلفظ: أنت عليَّ حرام حكمه حكم اليمين كما سبق.
ومن فوائد الحديث: أن من ظاهر من امرأته ثم عاد في ذلك وجامع فإنه تلزمه الكفارة.
ومن فوائده: أنه إذا جامع قبل أن يكفر لم يلزمه إلا كفارة واحدة، خلافًا لمن قال: إنه إذا جامع قبل أن يكفر لزمه كفارتان، والصواب أنه يلزمه كفارة واحدة حتى ولو تكرر.
ومن فوائد الحديث: أن الرقبة تجزئ ولو كانت غير مؤمنة يؤخذ ذلك من الإطلاق، ولكن سبق لنا أن القول الراجح أن الإطلاق مقيد، وله نظائر كثيرة في القرآن حيث تأتي آيات مطلقة فتحمل على المقيد؛ لأن الوحي شيء واحد المشرع له واحد وهو الله عز وجل، فيحمل مطلقه على مقيده.
ومن فوائد هذا الحديث: أن كفارة الظهار مرتبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتب الخصال الثلاث كل واحدة على الأخرى.
ومن فوائد الحديث: أنه يجب إذا لم يجد رقبة أن يصوم شهرين متتابعين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"فصم شهرين متتابعين"، والتتابع التوالي، وهنا سؤلان: الأول: هل تعتبر الأشهر بالأهلة أو بالأيام؟ قال بعض العلماء: بالأيام، وعلى هذا فيصوم ستين يومًا، وقال آخرون: بل بالأهلة،