للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا لا بد من نفيه فهل يجوز للزوج أن ينفيه؟ هذا محل تفصيل: إذا كان الحمل قبل اتهامها بالزنا فإنه لا يجوز أن ينفيه لأنها نشأت به قبل الزنا فهو لزوجها ولا يجوز أن ينفيه وإن كان بعد الزنا ووضعته لأقل من ستة أشهر من الزنا وعاش فلا يصح نفيه أيضًا؛ لأنها لما وضعته لأقل من ستة أشهر وعاش علمنا أنه كان قبل الزنا؛ لأن أقل مدة الحمل الذي يمكن أن يعيش ستة أشهر، إذن في هذين الحالين يلحق الولد الزوج ولا يصح أن ينفيه، أما إذا أتت به لأكثر من ستة أشهر في وقت يمكن أن يكون نشأ من الزاني أو يحتمل أن يكون من الزوج، نظرنا إن كان الرجل قد استبرأها قبل أن يتهمها بالزنا؛ فليس الولد له، ومعنى استبرأها: أنها حاضت قبل أن تتهم بالزنا لأن من علامات عدم الحمل الحيض وحينئذٍ لا يكون الولد له، وكذلك لو فرض أنها وضعته لأكثر من أربع سنين منذ جامعها الزوج ودون أربع سنين منذ جامعها الزاني فلا يلحق بالزوج على القول بأن أكثر مدة الحمل أربع سنين، فالمسألة تحتاج إلى تفصيل.

من فوائد الحديث: جواز الوصف بالتغليب لقوله: "في قصة المتلاعنين" مع أن اللعان إنما يكون من الزوج، والوصف بالتغليب كثير في اللغة وفي الشرع، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "بين كل أذانين صلاة"، والمراد بهما الأذان والإقامة، على أنه يمكن أن نقول إن الإقامة أذان؛ لأنها إعلام بالقيام بالصلاة، لكن المعروف أن الأذان غير الإقامة كما في حديث أنس بن مالك أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة"، ومن ذلك أيضًا أمر النبي صلى الله عليه وسلم للمؤذن أن يقول في الأذان الأول لصلاة الصبح "الصلاة خير من النوم" بعد حي على الصلاة حي على الفلاح، والمراد بالأذان الأول: الأذان الذي يكون بعد دخول الوقت؛ ووصفه بالأول؛ لأن هناك أذانًا ثانيًا وهو الإقامة، وهذا متعين لمعنى الحديث، وأما ما ذهب بعض الناس من أن المراد به: الأذان الذي يكون في آخر الليل فهذا من الأوهام التي لا يثبت بها الحكم؛ لأنها لا تقوم على دليل صحيح أو قياس سليم؛ لأن الأذان الذي يكون في آخر الليل ليس للفجر إذ إن الفجر بالإجماع لا يدخل إلا بعد طلوع الفجر وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث: "إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم"، فأذان الفجر إنما يكون بعد طلوع الفجر وإذا كان كذلك فإن الإذان الذي يكون في آخر الليل بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم الغرض منه فقال: "إن بلالًا يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم" فليس أذانًا للصلاة لكنه أذان للاستعداد للسحور، وعلى هذا فمن بدَّع المؤذنين اليوم- أي: نسبهم إلى البدعة- وقال: إن قولهم الصلاة خير من النوم في أذان الفجر بدعة فهو المبتدع؛ لأن تبديع ما دلت السنة على أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>