صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يقول للرجل طلق زوجتك لأنها كريمة لا ترد يد ملتمس، بل الظاهر أن المراد لا ترد يد لامس أنها تتساهل في ملامسة الرجال في مصافحتهم مثلًا وما أشبه ذلك، فقال:"غربها" يعني: سافر بها إلى بلد تكون فيه غريبة لتبتعد عن ملامسة الرجال؛ لأن الغريب ليس كالمستوطن، المستوطن يكون منشرحًا متسع الصدر، لكن الغريب ينطوي على نفسه وينقبض ولا يلتفت لمثل هذه الأمور، وقوله:"غربها" قلنا: أي: سافر بها إلى بلد الغربة، لكن لا يلزم من ذلك أن يبقى معها يغربها ويرجع أو يغربها مع أحد أقاربها وما أشبه ذلك، قال:"إني أخاف أن تتبعها نفسي" يعني: أن تتعلق بها نفسي فقال: "فاستمتع بها" يعني: أبقها عندك واستمتع بها كما تستمع بها في العادة، وفي لفظ:"طلقها" أمره بطلاقها لأن ذلك أبعد عن الشبهة- شبهة الولد- أو لأنها- أي: هذه المرأة- لسعتها يخشى من تصرفها الفتنة، قال:"لا أصبر عنها"؛ لأن نفسه متعلقة بها قال:"فأمسكها".
المسألة الآن واضحة وهي: أن هذه المرأة ليس عندها شيء من التحفظ التام بل هي متساهلة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلقها أو أن يغربها، ثم لما رأى أن نفسه لا تصبر عنها أذن له في إمساكها.
فإن قال قائل: هل يصح أن نحمل قوله لا ترد يد لامس على كونه كناية عن الجماع؟
فالجواب: أن هذا لا يصح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لو أذن له وهي على هذه الحال لكان أذن له بالدياثة أن يبقى زوجته وهي تزني وهذا شيء مستحيل.
في هذا الحديث فوائد منها: صراحة الصحابة- رضي الله عنهم- في معرفة الحق؛ لقوله:"إن امرأتي لا ترد يد لامس".
ومنها: أن ذكر الإنسان بما يكره للاستفتاء ونحوه لا بأس به، ولا يكون من الغيبة؛ وذلك للمصلحة الراجحة التي تربو على ذكره بما يكره، ومثل ذلك: ذكر الإنسان بما يكره في باب النصيحة، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن فاطمة بنت قيس جاءت تستشيره في ثلاثة من الصحابة خطبوها وهم معاوية وأسامة بن زيد وأبو جهم فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فضراب للنساء" ثم قال: "أنكحي أسامة".
ومن فوائد الحديث: أن من النساء وإن كن نساء من السلف الصالح من يتهاون في ملامسة الرجال أو مصافحتهم؛ لقوله:"إن امرأتي لا ترد يد لامس".
ومن فوائد الحديث: البناء على يد المدعي في باب الفتوى بخلاف الحكم، وجهه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: هات الشهود أو يأتي يطلب المرأة لتقر أو تنكر، ونظير ذلك قول هند بنت