للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عتبة: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي، فقال "خذي ما يكفيك ويكفي ولدك بالمعروف"، ولم يقل: أقيمي البينة؛ لأن باب الفتوى أوسع من باب الحكم، فالمفتي يفتي والمسئولية على المستفتي، لكن في باب الحكم تكون المسألة مبنية على المشاحة فلا يجوز للقاضي أن يحكم على غائب، وقد قيل إن داود- عليه الصلاة والسلام- إنما فتن بكونه حكم على الخصم دون أن يسأله؛ لأنه تسوروا عليه المحراب وقالوا خصمان بغى بعضنا على بعض، ثم قال أحد الخصمين: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال: أكفلنيها وعزَّني في الخطاب، قال: لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه دون أن يسأل الخصم الثاني، وهذا نقص في الحكم؛ ولهذا قال الله تعالى: {وظن داود أنَّما فتنه فاستغفر ربه وخر راكعًا وأناب} [ص: ٢٤].

وهذه القصة فيها: أولًا: أن داود احتجب عن الناس في محرابه مع أنه من حكم بين الناس لا بد أن يكون بارزًا لهم ليسهل عليهم مراجعته، وهو لم يفعل.

وثانيًا: أنه حكم للخصم دون أن يسأل المحكوم عليه وهذا أيضًا نقص في الحكم، وأما دعوى من يقول: إنه عشق امرأة أحد جنوده وإنه تحيَّل ومكر به وأخرجه مع الغزاة لعله يقتل فيأخذ امرأته فلا شك أن هذا من دسائس اليهود، وأنه لا يليق برجل عاقل فضلًا عن نبي من الأنبياء، ولا يحل لإنسان يعرف فضل الأنبياء أن يتهم داود- عليه الصلاة والسلام- بمثل هذه التهمة أبدًا والقرآن لم يشر إلى هذا إطلاقًا.

ومن فوائد الحديث: صراحة الصحابة- رضي الله عنهم- في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم لقول الرجل عن زوجته: "إنها لا ترد يد لامس".

ومنها: عفة الصحابة وبعدهم عن الخنا؛ لأن هذا الرجل لم يصبر على ما كانت عليه زوجته من التساهل في أيدي اللامسين وإلا لغض الطرف وسكت.

ومن فوائد الحديث: أن الإنسان إذا رأى من أهله مثل ذلك ولم يتمكن من حفظهم فإن الأولى أن يطلق لئلا يكون ديونًا، فإن تمكن من حفظهم وجب عليه ذلك أن يحفظهم؛ لأن طلاقها ليس حلًّا للمشكلة؛ إذ قد يطلقها إلى زوج آخر أو تنفرد عن الأزواج وتكون حالها أسوأ.

ومن فوائد الحديث: مراعاة رجحان المفاسد بعضها على بعض، ووجه ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم دفع مفسدة فراقها وتعلق بها وأنه لا ويصبر وربما يضيع بذلك حقوق لقوة تعلق قلبه بها فأمره بإمساكها.

ومن فوائد الحديث: أن الأمر في مقام الإذن لا يدل على الوجوب، بل ولا على الاستحباب لقوله: "فاستمتع بها فأمسكها"؛ لأن المعنى": فلك أن تستمتع بها ولك أن تمسكها،

<<  <  ج: ص:  >  >>