وهذه قاعدة في أصول الفقه، بمعنى أن الأمر بعد النهي أو الأمر بعد الاستئذان يفيد الإباحة، فإذا استأذنني شخص في الدخول إلى البيت فقلت: ادخل، فليس هذا بأمر وإنما هو إذن وإباحة.
ومن فوائد الحديث: أنه قد يسكت عن البيان إلى وقت آخر؛ لأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإمساكها ليس يعني أن يمسكها على ما هي عليه قطعًا، فالإمساك هنا مطلق، ولكن لا بد أن يضاف إليه قيد وهو أمسكها مع إصلاحها ومحاولة منعها مما هي عليه.
١٠٦١ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه:"أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين نزلت آية المتلاعنين-: أيُّما امرأةٍ أدخلت على قومٍ من ليس منهم؛ فليست من الله في شيءٍ، ولن يدخلها الله جنَّته، وأيُّما رجلٍ جحد ولده وهو ينظر إليه؛ احتجب الله عنه، وفضحه الله على رءوس الأوَّلين والآخرين". أخرجه أبو داود، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، وصحَّحه ابن حبَّان.
"أيما امرأة" هذه اسم شرط جازم "أي" و"ما" زائدة، وتزداد "ما" كثيرًا في أسماء الشرط مثل: {أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}[الأسراء: ١١٠].
وقوله:"أدخلت" هذا فعل الشرط، وقوله:"فليست من الله في شيء" هذا جواب الشرط أي: أن الله تعالى بريء منها وليست منه في أمان أي من عذابه بل هي معرضة للعقوبة، وقوله:"على قوم من ليس منهم" يعني: بحيث يكون من ولد زنا، فإن الزاني إذا زنى بامرأة متزوجة أو غير متزوجة ثم تزوجت في الحال، فإن هذا الولد من الزاني ينسب إلى الزوج فتكون أدخلت على هؤلاء القوم من ليس منهم، "ولم يدخلها الله جنته" فبين أن العقوبة أن الله سبحانه يتبرأ منها، براءة الله منها وحرمانها دخول الجنة وقوله:"جنته" من باب إضافة المخلوق إلى خالقه وليست من باب المسكون للساكن؛ لأن الله تعالى فوق العرض، لكنها من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، كإضافة البيت إلى الله وإضافة الناقة إلى الله، قال:"وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله عنه وفضحه على رءوس الأولين والآخرين" هذا وعيد ضد الأول رجل جحد ولده وهو ينظر إليه؛ يعني: أنه قد تأكد أنه منه ولكنه يجحده لتهمة حصلت لامرأته، مثلًا أو شك وقع في قلبه فيتبرأ منه فهذا الذي يفعل يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"احتجب الله عنه" يعني: يوم القيامة ولم ينظر إليه، والثاني:"فضحه على رءوس الأولين والآخرين" أي: كشف ستره وبين خطأه وذلك يوم القيامة.