للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن هذا القول جمود على اللفظ؛ لأن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أحجار ألا يمسح بوجه مرتين أو أكثر، وإنما مراده: أن يكون كل وجه له مسحة إما بثلاثة أحجار أو بحجر ذي شعب، ولم يذكر الرسول - عليه الصلاة والسلام- الحجر ذا الشعب؛ لأن هذا قد يكون نادرا أن يجد الإنسان حجرا فيه ثلاث شعب متوازية بحيث إذا مسح بشعبة لم تتلوث الأخرى هذا نادر.

ومن فوائد هذا الحديث: النهي عن لاستنجاء بالرجيع، والرجيع ما هو؟ الروث؛ لأن الروث إن كان طاهرا فهو علف بهائم الجن، وإن كان نجسا فالنجس لا يطهر، وكما تعلمون أن الروث ينقسم إلى قسمين على القول الراجح: طاهر؛ وهو روث المأكول، ونجس؛ وهو روث غير المأكول.

ومن فوائد هذا الحديث: النهي عن الاستنجاء بالعظام لقوله: "أو عظم"، سواء كانت هذه العظام عظام ميتة او عظام مذكاة، أو عظام مباح الأكل أو غير مباح الأكل؛ لأنه إذا كانت العظام عظام ميتة فهي نجسة عند جماهير العلماء، وإذا كانت نجسة فالنجس لا يمكن أن يطهر، وإن كانت مذكاة فهي طعام الجن، ولا يحل لنا أن نعتدي عليهم بإفساد طعامهم، وإن كان العظم من غير المأكول فهو نجس، والنجس لا يطهر.

فإن قال قائل: هل يقيسون على هذا تحريم الاستنجاء بعلف بهائم الإنس؟

فالجواب: نعم، نقيسه قياسا جليا واضحا؛ لأنه إذا كان لا يجوز أن نفسد علف بهائم الجن، وهو عالم غيبي فعلف بهائم الإنس من باب أولى.

وإن قال قائل: وهل يقسمون على النهي عن الاستنجاء بالعظم الاستنجاء بطعام الإنس كاللحم أو الخبز أو ما أشبه ذلك؟

فالجواب: نعم من باب القياس الأجلى والأوضح؛ لأنه إذا كان إفساد طعام الجن حراما فإفساد طعام الإنس من باب أولى.

فإن قال قائل: وهل تجيزون أن يستنجي الإنسان بغير الأحجار مما يزيل الأذى؟

فالجواب: نعم نجيز ذلك، فلو استنجى الإنسان بمناديل طاهرة منقية فلا بأس، وإن استنجى بخشبة فلا بأس، وإن استنجى بمدر - وهو الطين اليابس- فلا بأس أيضا، ولو استنجى بزجاجة لا يجوز؛ لأنها لا تنقي، ولو استنجى بحجر رطب لا يجوز؛ لأنه لا يطهر ولا ينشف.

فإن قال قائل: إذا لم ينق بثلاث - أعني: الاستجمار- هل يجب أن يزيد رابعة؟ نعم يجب أن يزيد رابعة، وإذا أنقى برابعة فالأفضل أن يزيد خامسة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من استجمر فليوتر".

من فوائد الحديث - ونسيت أن أقولها-: تحريم العدوان على حق الغير لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستنجاء بالرجيع أو العظم، فإذا كان يحرم العدوان من الإنس على الجن فإنه حرام من الجن

<<  <  ج: ص:  >  >>