نعم. فلمَّا كنت في الحجرة ناداني، فقال: امكثي في بيتك حتَّى يبلغ الكتاب أجله. قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهرٍ وعشرًا، قالت: فقضى به بعد ذلك عثمان". أخرجه أحمد، والأربعة، وصححه التِّرمذيُّ، والذُّهليُّ، وابن حبَّان، والحاكم وغيرهم.
فريعة بنت مالك إحدى الصحابيات تقول: "إن زوجها خرج في طلب أعبد له لعلهم أبقوا منه أو ضاعوا" والظاهر أنهم أبقوا منه هربوا منه، وأنها جاءت تسأل النبي صلى الله عليه وسلم هل تنتقل إلى أهلها بدلًا عن البيت الذي كانت ساكنة فيه حين موت زوجها، لأنه لم يترك بيتًا يملكه ولا نفقة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص لها بل أمرها أن تبقى في البيت حتى يبلغ الكتاب أجله يعني: حتين يبلغ المكتوب؛ أي: المفروض وهي العدة أجلها أي: منتهى أمدها، قالت: "فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرًا ... إلخ"، قولها: "أربعة أشهر وعشرًا" هذا هو عدة المتوفى عنها زوجها إذا لم تكن حاملًا، أما إذا كانت حاملًا فعدتها بوضع الحمل، طالت المدة أو قصرت، قالت "فقضى به بعد ذلك عثمان" قضى بماذا؟ قضى بأن تبقى المتوفى عنها زوجها في بيت الزوج حتى يبلغ الكتاب أجله.
ففي هذا الحديث فوائد منها: أنه ينبغي للإنسان أن يتوقى الخطر وألا يخاطر بنفسه؛ وذلك لأن هذا الرجل لما خرج في طلب الأعبد وهو وحده وهم جمع فإنه يعتبر مخاطرًا بنفسه؛ لأن الظاهر أنهم خرجوا مغاضبين له وأنهم خرجوا منه، ومثل هذا يخشى على نفس الإنسان منه، فلا ينبغي للإنسان أن يخاطر بنفسه في مواضيع الهلاك.
ومن فوائد الحديث: أنه لا يجوز للمرأة أن تخرج عن البيت الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه بل تبقى إلى أن تنتهى العدة، ولكن هذا مشروط بما إذا لم تخف على نفسها، فإن خافت على نفسها إما من أحد يعتدي أو خافت على عقلها لكونها خوافة فلا حرج بأن تنتقل لأن القاعدة الشرعية أن الواجبات تسقط بالعجز عنها لقول الله تعالى:{لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها}، وقوله تعالى:{فاتقوا الله ما استطعتم}.
ومن فوائد الحديث: أنه لا نفقة للمتوفى عنها زوجها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سكت عن النفقة ولم يتعرض لها، وهو كذلك فالمتوفى عنها زوجها ليس لها نفقة، وإنما نفقتها على نفسها، فإن كان عندها مال قبل موت زوجها أنفقت منه وإن لم يكن عندها مال أنفقت من حصتها من مال زوجها إن كان قد خلف مالا وإلا وجب الإنفاق عليها على من تجب عليه نفقتها من الأقارب.