قولها:"إن زوجي طلقني ثلاثًا" يعني: آخر ثلاث تطليقات، وليس المعنى: أنه قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق كما جاء ذلك مصرحًا به في صحيح مسلم وقولها: "أخاف أن يقتحم عليَّ" أي: أن يقتحم أحد علي بيتي، يعني: يتسلق الجدران ويعتدي عليها، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم فتحولت.
هذا الحديث فيه: أن فاطمة كان طلاقها طلاقًا بائنًا، والمرأة المطلقة طلاقًا بائنًا ليست في حكم الزوجات، وليس لها نفقة ولا سكنى ما لم تكن حاملًا فان لها النفقة والسكنى على زوجها وهذه ليست حاملًا فليس لها نفقة وليس لها سكنى، ولكن هل يلزمها أن تسكن في بيت الزوج؟ في هذا خلاف بين أهل العلم منهم من قال: إنه يلزمها أن تسكن واستدل بهذا الحديث أنها استأذنت وبينت السبب واستدل أيضًا بأنها في عدة من فراق بينونة فأشبهت المتوفى عنها زوجها فيلزمها الإحداد ولأنها ربما يطمع أحد في خطبتها لأنها بائن وتجملها يوجب إغراء الناس بها وكذلك خروجها من البيت فلزمها أن تحد ولكن المشهور من المذهب أنها ليست كالمتوفى عنها زوجها وأنه لا يلزمها الإحداد ولا لزوم المسكن، ولكن الأفضل أن تبقى في المسكن حفاظًا على حق زوجها وصوتًا لمائه إن كانت حاملًا وما أشبه ذلك من العلل التي عللوا بها ولكن ليس ذلك على سبيل الوجوب وهذا هو الصحيح، فإذا كانت حاملًا فلها النفقة والسكن، لقوله تعالى:{وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن}[الطلاق: ٦]. وتكون النفقة على زوجها والد الجنين أما إذا كانت متوفى عنها زوجها وهي حامل فإن النفقة تكون في مال الجنين الذي يرثه من أبيه وليس على أبيه لأن أباه قد مات وانتقل المال عنه فهنا يفرق بين نفقة الحمل إذا كانت بائنًا من وفاة وإذا كانت بائنًا من حياة، إذا كانت بائنًا من حياة النفقة على أب الحمل وإذا كانت بائنًا من وفاة فالنفقة في نصيب الحمل من الميراث.
من فوائد الحديث: أن الأفضل في المطلقة ثلاثًا أن تبقى في بيت زوجها لأن كونها تستأذن من الرسول صلى الله عليه وسلم يدل على أن هذا هو المتقرر عندهم.
ومن فوائده: أن الشر يوجد في كل زمن حتى في زمن الصحابة لأن قولها: "أخاف أن يقتحم
عليَّ" ليس مجرد وهم إلا أن الشرَّ في زمن الصحابة أقل منه في غيره؛ لأنهم خير القرون وأفضلها.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يتجنب أسباب الشر لقولها: "فأمرها فتحولت"، وهكذا ينبغي للإنسان أن يتقي الشر قبل أن يقع؛ لأن رفع الشيء بعد وقوعه أصعب من توقيه قبل وقوعه.
ومن فوائده: أنه إذا تحولت المعتدة لعذر فإنه لا يلزم أن تتحول إلى مكان قريب من مكانها