حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن يكن فيكم محدَّثون فعمر"؛ أي: ملهمون موفقون للصواب، وهو أحد الخلفاء الذين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباعهم:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين" بل قد نص عليه وعلى أبي بكر فقال: "اهتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر"، وقال: إن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا". وإنما قدمنا هذه المقدمات لبيان فضله رضي الله عنه والرد على الرافضة في إنكار فضله وكراهتهم له، ولشيء آخر وهو أن له سنة متبعة وأن قوله حجة ما لم يعارضه نصُّ.
أما قوله: "في امرأة المفقود" فالمراد بالمرأة هنا: الزوجة، والمفقود هو الذي انقطع خبره فلم يعلم له حياة ولا موت مثل أن يسافر ثم تنقطع أخباره، مشارك في جهاد ثم تنقطع أخباره يخرج في إغاثة أحد ثم تنقطع أخباره المهم أنه هو الذي أنقطع خبره فلم يعلم له حياة ولا موت، قال: "تربص أربع سنين ثم تعتد أربعة أشهر وعشرًا"، "تربص": تنتظر "أربع سنين ثم تعتد" وهذه العدة التي ذكرها رضي الله عنه هي عدة المتوفى عنها زوجها، وعلى هذا فتتربص أربع سنين ثم يحكم بموته فتعتد زوجته عدة الوفاة ويقسم ماله ويكون ميتًا هذا معنى الأثر عن عمر.
وهل هذه المدة في الشرع أو اجتهاد؟ الصحيح أنها اجتهاد ثم هل هذه المدة فيمن يغلب على الظن سلامته أو فيمن يغلب على الظن هلاكه؟ الفقهاء يقولون: هذه فيمن يغلب على الظن هلاكه كرجل خرج في جهاد أو في مفازة وهي الأراضي الواسعة المهلكة أو خطف من بين أهله فهذا ينتظر أربع سنين تشريعًا، ولكن الراجح أن هذا من باب الاجتهاد، والحكم في كل قضية بعينها وأن الحاكم يضرب المدة التي يغلب على الظن بها موته أو يتيقن؛ وذلك لأن الناس يختلفون والفقدان يختلف فمن الناس من هو مشهور إذا فقد أمكننا أن يغلب على ظننا موته في خلال أشهر لا سنوات، ومن الناس من هو مغمور لا يعرف من عامة الناس لو فقدّ لم يلتفت له ولم يحتفل له فهذا تضرب له مدة أطول كذلك أيضًا الفقدان يختلف قد يكون فقد في حال يغلب على الظن أنه لو كان حيًّا لبان وقد يفقد في حال يكون بالعكس فإذا كان الأمر كذلك صار الحكم أن ننظر كل قضية يعيبها ونحكم لها بما يناسبها ثم بعد ذلك نحكم بموته هذا هو الصحيح، وذلك من أجل إزالة الضرر عمن يتعلقون بهذا المفقود، وإلا لكان الوجه أن نذهب إلى ما ذهب إليه بعض العلماء من أن المفقود لا يحكم بموته إلا باليقين؛ لأن حياته