زمعة لا يريد الأخوة فقط إنما يريد إثبات أن هذا الغلام لزمعة فهو لا يريد أن يضيفه إلى نفسه فحسب، بل إلى الأصل ثم يثبت بعد ذلك الفرع والمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله هو أن الأب إذا استلحقه لحقه وصار أخًا لجميع أولاد هذا المستلحق، وأما غير الأب فإن اتفق الورثة على استلحاقه ثبت نسبه، وإن اختلفوا ثبت نسبه من المقرِّ به فقط، وعلى هذا فإذا كان هناك زيد وعمرو أخوين فأقرَّ زيد بأن بكرًا أخ لهما ولكن عمرًا أنكر فيكون بكرًا أخًا لزيدٍ وليس أخًا لعمرو ويتزوج من بنات عمرو، ولا يتزوج من بنات زيد؛ لأن بنات زيد هو عمهن بإقرار أبيهن، أما بنات عمرو فإن أباهن قد أنكر وهذه من غرائب العلم، أن يكون رجل بين أخوين يتزوج من بنات أحدهما ولا يتزوج من بناته الآخر.
وقوله:"عن ابن مسعود عند النسائي، وعن عثمان أبي داود" يعني: أن الحديث رواه عدد من الصحابة "الولد للفراش وللعاهر الحجر"، وقد بحثنا فيما سبق ما إذا كان الزاني الذي ادعى الولد لا يعارضه فراش صحيح هل يلحق بالزاني؟ وبينَّا أن في المسألة قولين للعلماء، فالجمهور لا يلحقونه بالزاني؛ لعموم قوله:"وللعاهر الحجر"، وشيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من العلماء يلحقونه ويقولون: إن هذا الولد ثبت كونه للزاني قدرًا ولم يعارضه حكم شرعي فلا نهمل الحكم القدري بدون معارض، أما لو عارضه حكم شرعي فمعلوم أن الحكم الشرعي مقدم على الحكم القدري، وقول شيخ الإسلام وجيه جدًّا لكنه لا ينبغي إظهار الفتوى به؛ لأنه يترتب عليه مفسدة وهي أن الشخص إذا أراد أن يتزوج امرأة وأبوا عليه خادعها حتى يزني بها فإذا زنى بها وحملت حينئذٍ اضطروا إلى أن يزوجوه فيكثر الشر والفساد، لكن لو وقعت مسألة وابتلى الإنسان بها والسؤال عنها، فقول شيخ الإسلام لا شك أنه قوي.
ومن فوائد الحديث: أن الشبه لا يعارض به الحكم الشرعي، يؤخذ هذا من حديث عائشة.
ومن فوائده: أنه لو اجتمعت البينة الشرعية والقيافة فإنها تقدم البينة الشرعية؛ لأن اعتماد القيافة على الشبه، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ألغى الشبه مع وجود البينة الشرعية- وهي الفراش- دل هذا على أن القيافة لا يرجع إليها مع وجود البينة الشرعية، وإنما يرجع إليها عند الاشتباه.
ومن فوائد الحديث: إطلاق اسم العاهر على الزاني لأن العهر هو الزنا.
ومن فوائد الحديث: استعمال الكنايات وأنه إذا دل الدليل على المعنى المقصود صار استعماله في هذا المعنى حقيقة لقوله: "وللعاهر الحجر" فإننا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد أن تأخذ حجرًا وتعطيه هذا العاهر، وإنما أراد أن تلقمه حجرًا بإبطال دعواه، وإذا دلَّت القرينة على أن