للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على النساء قالوا: أرأيت يا رسول الله الحمو؟ قال: "الحمو الموت ولم يقال: الحمو ترضعه المرأة حتى يكون محرمًا لها مع أن الحاجة داعية إلى أن ترضعه ليدخل البيت ويسلم من الشر، وحينئذٍ تثبت دعواهم أنه لا يؤثر رضاع الكبير، لكن يحتاجون إلى الجواب عن أدلة القائلين بأنه مؤثر فأجابوا عن إطلاق الآية بأن هذه ليست أول آية أطلقت ثم قيدت بالسُّنة فقوله تعالى: {وءاتوا حقه يوم حصاده} مقيد بقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقته"، والأمثلة على هذا كثيرة والسُّنة تبين القرآن وتفسره وتقيد مطلقه وتخصص عامه، وليس هذا بغريب فالآية مطلقة ويكون المراد: أرضعنكم، أي: إرضاعًا محرمًا حسب ما تقتضيه السُّنة وأما حديث سالم فأجابوا عنه بأنه خاصٌّ بسالم وهذا مبني على جواز تخصيص الشخص لعينه قالوا: فهو خاص به فلا يلحق به غيره وأجاب بعضهم بأنه منسوخ بالأحاديث الدالة على أنه لا بد أن يكون الرضاع بالحولين أو في زمن المجاعة أو قيل أن يفطم، فقالوا: إن هذا منسوخ بها، وأما الذين قالوا: إنه جائز للحاجة فجمعوا بين الأدلة وقالوا: إن قضية سالم حاجة للضرورة فلهذا أرشدها النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن ترضعه ولم يرشد غيرها إلى ذلك؛ لأنه لا يوجد فيه مثل حاجة هذا الرجل إذ إن هذا كان كالابن لهم تمامًا قد تبناه أبو حذيفة وصار عندهم بمنزلة الولد ويشقُّ عليهم كثيرًا أن يحتجبوا منه، فلهذا أذن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، وما أكثر الأحكام التي تثبت عند الحاجة التي تشيه الضرورة لقوم وتمنع من قوم آخرين لم يتحقق لهم مثل ذلك، وهذا الأخير اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وبه تجتمع الأدلة ونجيب عن دعوى التخصيص بأنه ليس هناك حكم يخص به أحد لعينه؛ لأن الناس عند الله سواء فلا يمكن أن يخص زيدًا دون عمرو لغير سبب معنوي يقتضي التخصيص. ولو تأملت هذا لوجدته لا يوجد في الشريعة من خصَّ بالحكم لعينه أي: لأنه فلان ابن فلان حتى الرجل الذي ضحى قبل الصلاة وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "شاتك شاة لحم قال: إن عندي عناقًا- يعني: ماعزا لها- أربعة أشهر أو نحو ذلك هي أحب إلينا من شاتين فأذن له أن يضحى بها وقال: "إنها لن تجزئ عن أحد بعدك"، والحديث في الصحيحين، وهذا يدل على أن الر جل خص بذلك بعينه، ولكن شيخ الإسلام أبى ذلك وقال هذا الرجل لا يخص بعينه بل يقال من كانت حاله مثل حاله فحكمه حكمه، فلو وجد رجل جاهل ضحى بأضحيته قبل الصلاة ولم يكن عنده ما يضحي إلا مثل هذه العناق قلنا إنها تجزئ عنك ولو كانت لم تبلغ السن أي: لم تكن ثنية، وهذا الذي قاله هو المتعين، حتى خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخصص بها لأنه محمد بن عبد الله لكنه خص بها لأنه رسول الله، فلو وصف لا يكون لغيره فلهذا خص بما يقتضيه هذا الوصف، وما قاله رحمه الله هو الراجح بمعنى: أنه لا تخصيص لأحد بعينه في حكم من أحكام الشريعة لأن الشريعة معلقة بالحكم والأسرار والمعاني والعلل لا بالأشخاص. وعلى هذا فنقول القول الراجح في هذا ما قاله شيخ الإسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>