جواز كشف المرأة عين وجهها وكفيها واختلاطها بالرجال تكون محمولة على ما قبل الحجاب؛ لأن ما قبل الحجاب ست سنوات كلها قبل الحجاب، فالناس لا بد أن يعملوا أعمالًا في هذه المدة الطويلة، ولا بد أن تكون النساء مع الرجال، وأن تكون النساء غير محجبات، ثم بعد ذلك نزل الحجاب، ولكن هنا سؤال هل حجاب أمهات المؤمنين أخص من حجاب عموم النساء؟ الظاهر هذا أن حجابهن أخص، وأنهن يلزمن أن يحتجبن حتى بأشخاصهنَّ، ولهذا كنَّ إذا حججن يكنَّ في الهوادج، يعني: شيء مثل البيت يعمل من الخشب ويكسى بالثياب حتى لا ترى المرأة، وسيأتي مزيد بحث لهذه المسالة.
وقولها "يستأذن، أي: يطلب الإذن بالدخول بعد الحجاب، أي: بعد أن فرض الله الحجاب
على أمهات المؤمنين في قوله تعالى:{وإذا سألتموهن متاعا فسئلوهن من وراء حجاب}[الأحزاب: ٥٣].
قالت: "فأبيت أن آذن له"، أبت يحتمل أن إباءها هذا لجهلها بالحال أو لجهلها بالحكم، لجهلها بالحال، يعني: لم تعلم أن أفلح أخا لأبيها أو لجهلها بالحكم لم تعلم أن الرضاع يحرم ما تحرمه الولادة، وأيا كان الاحتمالان فإنها معذورة بمنعه؛ لأن الأصل عدم الحل حتى يوجد الدليل على الحل، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بالذي صنعته، يعني: قالت إنه استأذن عليَّ وإني أبيت عليه، "وأمرني أن آذن له"، الأمر هنا ليس للاستحباب ولا للوجوب، ولكنه للإباحة لأن إخبارها إياه بما صنعت كأنها تستأذنه والأمر بعد الاستئذان للإباحة وليس للوجوب ولا للاستحباب كما لو قلت لشخص: جئت إلى بيته أأدخل؟ قال: نعم، أو قال: ادخل، فهنا ليس أمرًا على سبيل الإلزام ولا على سبيل الاختيار ولكنه أمر إباحة فأمرني أن آذن له، يعني: في الدخول عليها، وقال: "إنه عمك"، هذا تعليل للحكم، الحكم الإذن لها بالإذن له والتعليل "إنه عمك من الرضاع".
يستفاد من هذا الحديث عدة فوائد: أولًا. أنه لا دخول على بيت أحد إلا باستئذان لأن هذا هو عهد الصحابة لقولها جاء يستأذن، والاستئذان للدخول واجب لقول الله تعالى:{يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتَّى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خبرٌ لكم لعلكم تذكرون}[النور: ٢٧]. وقوله:{حتى تستأنسوا} أخص من قوله: حتى تستأذنوا، من وجه وأعم من وجه آخر فإن قوله: "حتى تستأنسوا} أي: يحصل لكم الأنس وعدم الوحشة، وهذا يقتضي أنك إذا أتيت إلى بيت قد دعاك صاحبه فوجدته مفتوحًا فادخل لأن دعوته إياك في هذا الوقت وفتح الباب يدل على الإذن، لكن دلالة حالية يستفاد من قوله:{حتى تستأنسوا} وفها قراءة {حتى تستأذنوا} فيكون ذكر الاستئذان أخص من الاستئناس؛ لأن الاستئناس قد يكون باستئذان وبغيره.