القرآن هو الله عز وجل {كتبٌ أنزلنه إليك مبركٌ}(ص: ٢٩). والذي نزل به "جبريل" أفضل الملائكة وأقواهم وأشدهم أمانة وكلهم أمناء وأقوياء، لكن الخلق يتفاوتون نزل به جبريل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، قالت:"عشر رضعات معلومات يحرمن هل حسَّا أو حكما، بمعنى: أنه لابد أن نعلم أن العشر حصلت أو معلومات بالشرع؟ الاثنان بالشرع وبالحس، الشرع معلوم بما جاءت به السنة، ثم نسخن بخمس معلومات يعني: رفع حكمهن، بل ولفظهن أيضًا؛ لأننا لا نجد في القرآن شيئا في ذلك، فنسخ اللفظ ونسخ الحكم، "بخمس معلومات" يعني: يحرمن، "فتوفي رسول الله. إلخ".
"توفي" أي: قبض، والذي توفاه الله عز وجل وحذف الفاعل للعلم به، ويقال: توفي ولا يقال توفى كما قال تعالى: {الله يتوفَّى الأنفس حين موتها}(الزمر: ٤٢){قل يتوفَّكم مَّلك الموت}(السجدة: ١١). {حتَّى إذا جاء أحدكم الموت توفَّته رسلنا}(الأنعام: ٦١). فالإنسان متوفَّى وأما قول بعض الناس: توفى فلان، فهو ليس بصحيح وإن كان له وجه بعيد على أنه توفى بمعنى: استوفى أجله ورزقه، كما قال صلى الله عليه وسلم "لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها" لكن هذا بعيد.
قالت: توفي رسول الله وهي - أي: الخمس - فيما يقرأ من القرآن"، أي: أن الناس يقرءونها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا الحديث كما علمتهم خبر آحاد انفرد به مسلم عن البخاري، وفيه نوع من الغرابة أو النكارة في متنه، ولهذا طعن فيه كثير من المتأخرين وقالوا: هذا الحديث لا يصح، كيف ذلك؟ قالوا: كيف يثبت أنها من القرآن بعد وفاة الرسول ثم تنسخ ولا نسخ بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ! وكون مدلول الحديث هذا يطعن في صحته علة معللة؛ لأنه كيف يموت الرسول صلى الله عليه وسلم وهي فيما يقرأ من القرآن وقد قال الله تعالى:{إنَّا نحن نزَّلنا الذِّكر وإنَّا له لحفظون}(الحجر: ٩). والآن ابحث في القرآن من أوله إلى آخره فلا تجد شيئا، إذن فالحديث منكر؛ لأنه مخالف لما يعلم بالضرورة من الدين، القرآن محفوظ وهذا الحديث مدلوله أن هذا الحكم باق وهي قراءتها في الكتاب العزيز حتى توفي الرسول صلى الله عليه وسلم ولا شك أن هذا علةٌ معلَّلةٌ مؤثرة، ولكن جمهور العلماء أجابوا عنها فقالوا: إن معنى قولها: "توفي وهي فيما يقرأ" بمعنى: الجملة حال إما أن النسخ كان متأخرًا ولم يعلم به كثير من الناس فصاروا يقرءون القرآن على أنها محكمة ثابتة فيه ولم يعلموا بالنسخ ثم بعد ذلك علم الناس، وعند جمع المصحف في عهد أبي بكر ثم في عهد عثمان أزيلت؛ لأنها منسوخة لفظا. فإن قال قائل نسخ اللفظ مشكل؛ لأن الله يقول:{إنَّا نحن نزَّلنا الذِّكر وإنَّا له لحفظون} فكيف ينسخ اللفظ؟ والجواب: أنه ينسخ اللفظ لأن الله قال: {وإنَّا له لحفظون} فحافظه هو الذي نسخه، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عمر رضي الله عنه أنه قال معلنا على المنبر: كان فيما أنزل الله من القرآن آية الرجم فقرآناها ووعيناها