للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا ليس بنسخ هذا تخصيص؛ لأن الحكم الأول ممتد إلى القيامة لو بقي، فإذا نسخ حكم فمعناه أننا خصصنا الزمن الذي بعد النسخ أخرجناه من الحم العام الأول فيكون هذا تخصيصًا لكنه يقر بالمعنى، يقر بأن الحكم قد يرفع بعد ثبوته فنقول له: لقد اتفقنا نحن وإياك على المعنى، والحقيقة أنت إن شئت سمه تخصيصًا ونحن نسميه نسخًا فالخلاف الآن في التسمية، ولذلك أجمع المسلمون على ثبوت النسخ من حيث المعنى والحكم لكن الصحيح ثبوت النسخ وأننا نسميه نسخًا لأن الله قال في الكتاب: {ما ننسخ من ءايةٍ أو ننسها نأت بخيرٍ منها أو مثلها} (البقرة: ١٠٦). وهذا صريح في أن النسخ جائز وإلا لم يكن للكلام فائدة، وأما استدلال أبي مسلم يقول: {لَّا يأتيه البطل من بين يديه ولا من خلفه} فنقول: لا يأتيه ما يبطله ومعلوم أن النسخ ليس إبطالاً، لكنه انتقال من حكم إلى حكم، حسب ما تقتضيه الحكمة والمصلحة كما سنبين إن شاء الله.

ومن فوائد الحديث: أن النسخ يكون باللفظ والحكم ويكون باللفظ فقط دون الحكم، فبالنسبة لعشر رضعات معلومات النسخ في اللفظ والحكم، وبالنسبة للخمس النسخ في اللفظ فقط أما الحكم فباق وقد يكون النسخ في الحكم دون اللفظ فمثلًا قوله تعالى: {يأيُّها النَّبيُّ حرِّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صبرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفًا من الَّذين كفروا بأنَّهم قومٌ لا يفقهون} (الأنفال: ٦٥). في هذه الآية أنه لا يتحقق الصبر إلا إذا ثبت الواحد لعشرة {إن يكن منكم عشرون صبرون يغلبوا مائتين} وأن من فر من تسعة وهو واحد فليس من الصابرين لكن الله قال: {الئن خفَّف الله عنكم وعلم أنَّ فيكم ضعفًا ... ْ} الآية. فتبين الآن أن الآية الأولى نسخت حكمًا وبقي اللفظ.

ق يقول قائل: ما الفائدة من بقاء اللفظ وقد نسخ الحكم؟

نقول: له فوائد كثيرة منها: التعبد لله بتلاوة هذه الآية المنسوخة وزيادة الأجر بتلاوتها.

ومنها: التذكير بنعمة الله حيث خفف عن عباده وهذه توجب للإنسان كلما تلاها أن يشكر الله وبحمده على هذا، يوجد نسخ اللفظ دون الحكم مثل آية الرجم، وهذا الحديث ما فائدة نسخ اللفظ وبقاء الحكم؟ الفائدة التي هي من أهم ما يكون بيان فضل هذه الأمة وشدة امتثالها لأمر الله، ففي آية الرجم يحكم آخر الأمة بالرجم مع أنهم لا يجدون شيئا بين أيديهم في كتاب الله، واليهود رفعوا الحكم بالرجم مع أنه موجود في التوراة؛ ليتبين فضيلة هذه الأمة حيث إنها امتثلت لأمر لا تشاهده في كتابها، لكن ورثته من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم التي بينت أن هذه الآية منسوخة، وهنا تنبيه وهو أنكم ربما تجدون في عبارات السلف كلمة نسخ مثل: هذه الآية نسخت الآية وهم يريدون بذلك التخصيص، مثل قول بعضهم في قوله تعالى: {إلَّا على

<<  <  ج: ص:  >  >>