للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخطأ قد يخطأون وقد يأثمون وفيهم من سرق، وفيهم من زنى، وفيهم من لاعن امراته، وفيهم من شرب الخمر ليسوا بمعصومين من كبائر الإثم وصغائرها لكن لهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما صدر منهم، وقد قال فيهم: {وكلَّا وعد الله الحسنى} (الحديد: ١٠).

فلذلك قال العلماء - علماء الحديث -: إن جهالة الصحابي لا تقدح في صحة الحديث؛ فلو قال التابعي عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم فهل يلزمنا أن نبحث عن هذا الرجل؟ لا، لأن الأصل فيهم العدالة، "فجاءت امرأة فقالت: لقد أرضعتكما"، هذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: "اللام، وقد" وهما بارزان، والقسم وهو محذوف، والتقدير: "والله لقد" وهو كثير في اللغة العربية وفي القرآن الكريم، والضمير المفعول به يعود على عقبة وزوجته، يقول: فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "كيف وقد قيل"، سأله يقول هل أمسكها أو أفارقها؟ فقال: "كيف" أي: كيف تمسكها وقد قيل: إن بينكما رضاعا وكيف هنا للاستفهام الإنكاري يعني: ينكر عليه إن يحاول إمساكها، وقد قيل: إنها أخته من الرضاع او ما يفيد ذلك، ففارقها رضي الله عنه ونكحت زوجًا غيره.

هذا الحديث فيه فوائد منها: ان الإنسان إذا تزوج محرمًا له من الرضاع او محرمًا له من النسب، ثم تبين بعد ذلك وجب الفراق لقوله: "كيف وقد قيل"، خفاء أخته من الرضاع لا غرابة فيه لكن خفاء أخته من النسب كيف؟ نعم يمكن أن تضيع في موسم الحج مثلًا ولم تحصل على خير من جهتها ثم كبرت وتزوجها اخوها وبعد هذا ثبت أن هذه أخته من النسب فيجب الفراق؛ لان النكاح تبين بطلانه، أما الأخت من الرضاع فكثير.

ومن فوائد الحديث: أنه لا يشترط السؤال عمن عرفت حاله بعدالة أو فسق، فالمعروف بالعدالة لا تحتاج إذا شهد هات من يزكيك والمعروف بالفسق نرد شهادته بقينا بالمجهول هل يجب على الحاكم أن يسال عنه أو يحكم بشهادته؟ فإن جرحها المحكوم عليه عمل ما يلزم بقول الفقهاء من جهلت عدالته سأل عنه لأن الله قال: {وأشدهوا ذوي عدلٍ} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن شهد شاهدان عدلان فصوموا وأفطروا"، والعدالة شرط لابد من تحققه فمن جهلت عدالته يسأل عنه فتكون أحوال الرواة ثلاثًا من علمت عدالته فلا يسأل عنه ودليله هذا الحديث ومن علم فسقه ردت شهادته ومن جهل يسأل عنه.

ومن فوائد الحديث: قبول شهادة المرأة الواحدة في الرضاع، فإن قال قائل: كيف نقبل شهادة امرأة واحدة في الرضاع، والله يقول في الأموال {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجلٌ وامرأتان} (البقرة: ٢٨٢). قلنا: لان الرضاع لا يطلع عليه غالبَا إلا النساء.

<<  <  ج: ص:  >  >>