للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المستقبل، ولو فتح الباب للناس لحصل في هذا فوضى ومفاسد كبيرة، وهذا القول هو القول الراجح أي: أنه إذا كان سبب الحق ظاهرًا فلصاحبه أن يأخذ من مال المحقوق بغير علمه بقدر ما يكفيه.

ومن فوائد الحديث: الرجوع إلى العرف واعتباره لقوله بالمعروف وما هو المعروف؟

المعروف هو: العرف المضطرد الذي اعتاده الناس فإن اختلف الناس في العرف فالمرجع إلى الأكثر والأغلب؛ لأن الرجوع إلى الأكثر والأغلب في مسائل كثيرة في الدين، فكذلك في العرف وهل يقدم العرف على اللغة وعلى الشرع؟ الجواب الشرع مقدم على العرف، والعرف مقدم على اللغة، ويظهر ذلك في باب الأيمان، فمن حلف ألا يتوضأ فاستنجى فإننا إذا رجعنا إلى العرف قلنا: إن هذا الرجل حدث؛ لأن العرف الشائع بين العامة أن الوضوء هو الاستنجاء غسل الفرج، ولو رجعنا إلى اللغة قلنا أيضًا: يمكن أن يكون هذا من باب الوضوء وأنه حنث؛ لأن الوضوء في اللغة النظافة، وإن رجعنا إلى الشرع، قلنا: لا يحنث؛ لأن الاستنجاء لا يسمى وضوءًا في الشرع، إذن نغلب جانب الشرع، كذلك لو حلف رجلًا ألا يشتري شاة فاشترى ماعزًا فإن رجعنا إلى العرف قلنا: لا حنث عليه؛ لأن العرف أن الشاة هي الأنثى من الضأن، وأما الأنثى من الماعز فتسمى عنزة وإن رجعنا إلى اللغة قلنا: إنه يحنث؛ لأن اللغة أعم وأشمل من العرف.

إذن ما كان له حقيقة شرعية وعرفية ولغوية يرجع في ذلك إلى الشرع، ثم يقدم العرف على اللغة؛ لأن اللغة عرف قوم بادوا وذهبوا وجاءت لغة جديدة حلت محل اللغة الأولى وتعارف الناس عليها فيعمل بها، فالولد مثلًا في اللغة يشمل الذكر والأنثى، وفي العرف خاص بالذكر، إذا حلف شخص قال: والله لأعطين ولد فلان كذا فأعطى بنت فلان فإنه إذا اعتبرنا اللغة يحنث؛ لأن البنت تسمى ولدًا، وإن اعتبرنا العرف لم يحنث؛ لأن العرف أن الولد خاص بالابن، فنقدم الحقيقة العرفية ونقول هذا الرجل لا يحنث، على كل حال: العرف معتبر شرعًا في مواطن كثيرة، ولكن إذا تعارضت الحقائق العرفية والحقائق الشرعية قدمت الحقائق الشرعية ثم العرفية ثم اللغوية.

ومن فوائد الحديث: أن المعتبر في النفقات الكفاية، وأن ما زاد عليها فليس بواجب؛ لقوله: "ما يكفيك وما يكفي بنيك"، وما زاد على الكفاية فليس بواجب، والحكمة من ذلك: أننا لو اعتبرنا ما زاد على الكفاية واتبعنا الهوى في ذلك لم يكن لهذا حد ولاسيما فيما يتعلق بالنساء وحاجتهن فإننا لو أطلقنا العنان للنساء لكانت المرأة كلما صنع ثوب جديد قالت: اشتره لي، حتى لو تتغير الموضة بين عشية وضحاها طالبت بما حدث في العشاء وألغت ما حدث في الصباح، فيقال: الواجب هو الكفاية.

<<  <  ج: ص:  >  >>