للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفرق بين القولين: أنه إذا قيل: إنها للتخيير صار الإمام مخيرًا بين هذه الأربعة وهي القتل والصلب وتقطيع الأيدي والأرجل من خلال والنفي من الأرض، وإذا قيل: إنها للتنويع صارت هذه العقوبات منزلة على قدر الجريمة، فتختص كل عقوبة بجريمتها ولا يخير الإمام، فيقال: من فعل كذا فعل به كذا، فعلى هذا القول يقولون إن قطاع الطريق إذا قتلوا فقط، وإن قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا، وإن أخذوا المال بدون قتل قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإن أخافوا الطريق دون أن يعتدوا على أحد في مال أو دم فإنهم ينفون من الأرض فتكون هذه العقوبات مرتبة على قدر الجريمة فيكون الفرق بين القولين أن هذا القول مقيد للإمام بعقوبة معينة، وأما القول الأول فيخير الإمام ولكن هل معنى التخيير أنه تخير تشهِ بفعل ما يشاء أو هو تخيير مصلحة؟ الثاني، وهذه قاعدة: كل من تصرف لغيره وخيِّر فهو تخيير مصلحة، الوكيل والولي وناظر الوقف والوصي وولى الأمر من أمير أو قاضٍ أو غيره إذا خيِّر بين شيئين فتخييره تخيير مصلحة أما من خير بين شيئين في أمر يتعلق به بنفسه ويقصد به التسهيل عليه فتخييره هنا تخيير تشهِ ومتى يصلب وكيف يصلب؟ إذا رأى الإمام أن يقتل ويصلب أو كانت الجريمة على القول الثاني تقتضي القتل أو الصلب فمتى؟ قيل: إنه يصلب وهو حي وقيل: يقتل ثم يصلب وأيهما أنكى؟ الأول لاشك فإذا رأى ولي الأمر أن الأنكى أن يصلب قبل أن يقتل فليفعل لأنه إذا صلب بعد القتل فإنه هو بنفسه لا يتعب وما يضر الشاة سلخها بعد موتها وكيف يصلب؟ يصلب بأن يربط على خشبة لها يدان فتمد يداه على يدي الخشبة ويبقى قائماً إلى أن يشتهر فإذا اشتهر نزِّل وقتل إن قلنا بصلبه قبل القتل أو نزل وغسل وكفن وصلى عليه ودفن مع الناس، وأما التقطيع فلم يذكر في الحديث لكن في الآية تقطع اليد اليمنى والرِّجل اليسرى تقطع اليد اليمنى من مفصل الكف وتقطع الرجل اليسرى من مفصل العقب ولا يقطع العقب يبقى لأجل أن يمشي عليه لأنه لو قطع لاختلت الرِّجل ولا استطاع أن يمشي، وقوله: أو ينفى من الأرض إلى أي أرض؟ قال بعض العلماء يطرد إلى أرض غير أرضه، ولكن هذا القول اعترض بأنه ربما يفسد في الأرض الثانية فإذا خفنا من ذلك فإن النفي من الأرض يكون بالحبس حتى تظهر عليه علامة التوبة النصوح فإذا ظهرت أطلق.

إذن هذا الحديث يختلف عن الأول في كيفية العقوبة فيمن خرج عن الإسلام، وقد قلنا: إنه إذا خرج عن الإسلام فجمع بين الكفر والحرابة فهذا جزاؤه وإن لم يحارب فإنه يقتل بالسيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>