قد رضَّ بين حجرين" أي جعل بين حجرين ورضَّ بالحجر الأعلى وهي في آخر رمق، فسألوها من صنع بك؟ هذا فلان فلان حتى ذكروا ... إلخ. "سألوها" أي: سألها أهلها أو من عثر عليها من صنع بك هذا وعينوا أناسًا ولا شك أنهم لن يعينوا إلا من كان قريبًا منها وفيه شبهة، وأما من كان بعيدًا وليس فيه شبهة فلن يذكروه لها "حتى ذكروا يهوديًّا فاومأت برأسها" يعني: أنه هو الذي فعل ذلك، وهذا من نعمة الله- سبحانه وتعالى- وفضله أن أبقى حياة هذه الجارية حتى أخذوا إقرارها بأن الذي فعل بها ذلك رجل من اليهود "فأخذ اليهودي فأقرَّ" بأنه الفاعل ولو لم يقر لكان نكبة لأنه لو لم يقر لبرئ لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء قوم وأموالهم"، فأقر فأمر رسول الله ... إلخ، "أمر أن يرضَّ رأسه بين حجرين" وهذه حالة قد تصعب على النفوس أن يرض الإنسان رأس رجل بين حجرين ولكن يهون ذلك أن يكون عند التنفيذ يستشعر أن هذا المجرم فعل بالمعتدي عليه هذا الفعل فيهون عليه، يعني: يعتبر هذا قصاصًا.
هذا الحديث فيه فوائد: أولًا: جواز بقاء اليهود في المدينة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطرد هذا الرجل ولا غيره بل ومات ودرعه مرهونة عند يهودي، ولكن هذا كان قبل قول النبي صلى الله عليه وسلم "لأخرجنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلمًا" ولكنه صلى الله عليه سلم مات قبل ذلك إلا أن أوصى أمته فقال أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب.
ومن فوائد هذا الحديث: أن حرم المدينة ليست حرم مكة في منع الكفار من دخولها وجه ذلك إقرار النبي صلى الله عليه وسلم اليهود على البقاء في المدينة أما مكة فقال الله تعالى: {يأيها الذَّين ءامنوا إنَّما المشركون نجٌس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا}.
ومن فوائد هذا الحديث: محبة اليهود للمال وأنه لا يهمهم أن يرتكبوا أبشع جريمة من أجل الوصول إلى المال لأن هذا اليهودي إنما رضَّ رأس الجارية من أجل حلي كان عليها فأخذه.
ومن فوائد هذا الحديث: اعتبار قول المحتضر أو بعبارة أخرى اعتبار قول من أصابه سبب الموت ما دام ذهنه باقيًا تؤخذ من اعتبارهم إشارة الجارية.
ومن فوائد الحديث: أن الإشارة تقوم مقام العبارة فإذا كان هذا مع تعذر العبارة شرعًا أو حسًّا فلا شك أن الإشارة تقوم مقام العبارة، وإن كان مع القدرة ففيه خلاف بين العلماء، ففي هذه القصة قامت الإشارة مقام العبارة لتعذر العبارة في هذا الحال، وفي إشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين صلًّى بهم جالسًا فصلوا قيامًا فأشار إليهم أن اجلسوا هذا فيه تعذر العبارة شرعًا. إذن الإشارة تقوم مقام العبارة عند تعذر العبارة شرعًا أو حسًّا فأما مع القدرة على ذلك فما يصح بالكناية يصح بالإشارة وما لا يصح بالكناية لا يصح بالإشارة فالنكاح مثلًا هل ينعقد