للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الحديث كتاب كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن، وهو مرسل، ولكن تلقته الأمة بالقبول حتى صار عندهم بمنزلة المتواتر وأخذوا بالأحكام التي دل عليها هذا الحديث المرسل، والمرسل إذا اعتضد بمرسل آخر أو بعمل المسلمين وتلقيهم بالقبول صار حجة وهو حديث طويل جاءت فيه أحكام في الطهارة وأحكام في الزكاة وأحكام في الديات، قوله: "اعتبط" الاعتباط هو: أخذ الشيء ظلمًا، ومعنى "اعتبطه": قتله ظلمًا، ولهذا فسر الاعتباط بقوله: "قتلًا" لأن الاعتباط قد يكون مالًا وقد يكون ضربًا، وقد يكون غير ذلك، المهم: أن الاعتباط ظلم؛ ولهذا يقال الآن فيك عباطة، يعني: عنجهية وغطرسة وقوله: عن بينة، يعني: ثبت قتله ببينة فإن فيه قود والقود، يعني: القصاص لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يجل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث" وفيه النفس بالنفس ولقوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} [المائدة: ٤٥] ففيه القود قال: "إلا أن يرضى أولياء المقتول" فإن رضي أولياء المقتول بالعفو مجانًا أو بالعفو بلا دية أو بالمصالحة بأكثر من الدية على القول الذي رجحناه فلا قود قال: "وأن في النفس الدية مائة من الإبل" يعني: إذا قتل نفسًا ففيها الدية وقول: "مائة من الإبل" هذا عطف بيان، "وفي الأنف إذا أوعب"؛ يعني: استوعب فيه الدية إذ قطع من الماذن والماذن ما لان منه والأنف مشتمل على أربعة أشياء على قصبة وعلى مازن وهو يجمع ثلاثة أشياء المنخرين والحاجز بينهما فإذا ضمت هذه الثلاثة إلى الأول صار أربعة، إذا أوعب جدعه، يعني: جدع وقطع الماذن كله ففيه الدية كاملة وذلك لأنه أتلف شيئًا ليس في البدن منه إلا واحد، يعني: ليس له نظير فلما أتلف شيئًا ليس في البدن منه إلا واحد وجبت دية البدن كاملة وقوله: "كتب" هل المراد كتب بيده لكريمة أو أمر من يكتب؟ الثاني هو الصحيح وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب أما قبل البعثة فلاشك في هذا نص القرآن: {وما كنت تتلوا من قبله من كتب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون} [العنكبوت: ٤٨].

وأما بعد البعثة فقيل إنه كان يكتب لكن كتابًا يسيرًا وقيل: إنه لا يكتب إلا اسمه فقط لحديث صلح الحديبية والذي يظهر أنه بقي صلى الله عليه وسلم لا يكتب وما ذكر من كتابة اسمه فإنه لا يكون بذلك كاتبًا، وهنا كتب إلى أهل اليمن أي أمر من يكتب إلى أهل اليمن وقلنا إن شهرة الحديث واستفاضته تغني عن تصحيحه، "اعتبطه" يعني: قتله عمدًا بدون سبب وقوله: "مؤمنًا عمدًا"، غير المؤمن فيه تفصيل، إن قلته من يماثله في الدين فإنه يقتل به إذا تمت بقية الشروط وقوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>