الصلاة والسلام - حيث قال: الماء من اماء"، قد يقول قائل: إن هذا ليس فيه بيان؛ لأن الأول يصدق في الوضوء مثلا؛ لأن المتوضئ قد يستعمل الماء فيقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كنى بهذا يخاطب قوما يعلمونه ويفهمونه، وإذا كانوا يعلمونه ويفهمونه فهذا غاية البيان، المسألة في غاية البيان؛ لأنه يخاطب أناسا يفهمون هذا الماء من الماء له منطوق، المنطوق الأول أنه متى نزل المني وجب الغسل هذا المنطوق.
وظاهر الحديث أنه سواء نزل المني بشهوة أو بغير شهوة، ولكن هذا غير مراد، بل المراد: "الماء الدافق"، والماء الدافق هو الذي يخرج بشهوة، أما لو خرج الماء - يعني: المني- بغير شهوة كروعة وسقطة ومرض وما أشبه ذلك؛ فإنه لا يوجب الغسل فلابد أن يكون ماء دافقا، وهذا لا يكون إلا مع الشهوة، وعموم هذا الحديث يشمل ما إذا كان الإنوال بتفكير "الماء من الماء" أو بتقبيل أو بنظرة أو بلمسة، على أي حال: متى نزل الماء الدافق فإنه يجب الغسل سواء كان يقظة أو مناما، وسوف يأتي ذلك إن شاء الله.
مفهوم الحديث: إذا لم يكن ماء فلا ماء؛ يعني: إذا لم يكن إنزال فلا غسل، وهذا المفهوم يعم ما إذا جامع الإنسان زوجته ولم ينزل فإنه لا غسل عليه، ولكن هذا الحكم يعارضه بما أردفه المؤلف رحمه الله بهذا الحديث.
١٠٢ - وعن أبي هريرة رضي الله عه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها؛ فقد وجب الغسل". متفق عليه. وزاد مسلم: "وإن لم ينزل".
"إذا جلس" يعني: الرجل، والذي علين الرجل مرجعا للضمير السياق، وهو قوله: "بين شعبها" أي: المرأة، المراد بالجلوس هنا: الجلوس للجماع والتهيؤ له، وقوله: "شعبها الأربع" قيل: إنها فخذاها وساقاها، وقيل: بل رجلاها ويداها، وهذا الأخير هو المتعين؛ لأن الجلوس للجماع يكون بين هذه الأربع، الرجلين وعددهما اثنتان، واليدان وعددهما اثنتان، وقوله: "ثم جهدها" أي: بلغ منها الجهد؛ أي: الطاقة، وهذا يكون بالإيلاج، فإنه يبلغ منها جهدا ومشقة، لاسيما إذا كانت بكرا، المهم على كل حال أن يكون هناك مشقة على المرأة.
قوله: "فقد وجب الغسل" على من؟ عليهما جميعا؛ لأن الرسول ذكر فاعلا ومفعولا به.
وقوله: "وجب الغسل"؛ أي: على هذا وعلى هذا، وليس المراد على الجل وحده، ولا على المرأة وحدها، بل على الجميع.
قال: "متفق عليه، وزاد مسلم:"وإن لم ينزل"، وهذه الزيادة لا شك أنها مفيدة؛ لأن الأول