الذي اتفق عليه الشيخان يدل على وجوب الغسل سواء أنزل أو لم ينزل، لكن ليس فيه التصريح بعدم الإنزال، فإذا جاء التصريح بعدم الإنزال فإنه يكون أوضح وأبين، لماذا؟ لأننا لو اقتصرنا على قوله:"إذا جلس بين شعبها الأربع، ثم جهدها فقد وجب الغسل" لأمكن لقائل أن يقول: فقد وجب الغسل إذا أنزل، ويجعل الحديث الذي قبله مقيدا له، لكن إذا جاءت لفظ:"وإن لم ينزل" انقطع هذا التأويل، وصار المعنى: أنه إذا جامع سواء أنزل أم لم ينزل.
فإن قال قائل: هل بين الحديثين تعارض؟
فالجواب: لا تعارض بينهما؛ لأن دلالة عدم وجوب الغسل من الحديث الأول دلالة مفهوم، قال الأصوليون: والمفهوم تحصل الدلالة فيه إذا وقعت المخالفة في صورة واحدة، يعني: أنه لا عموم له، هذا معنى ما قلت: المفهوم لا عموم له، وإذا كان لا عموم له فإنه لا ينافي هذا؛ لأن قوله:"الماء من الماء" مفهومه: ولا ماء مع عدم الماء، نقول: نعم هذا ما لم يجامع؛ لأن الإنسان قد يستمتع بزوجته استمتاعا بالغا لكن دون الجماع، ويكون الماء قد تهيأ للخروج ولا يخرج، فيصدق بهذه الصورة، والمفهوم إذا صدق بصورة واحدة كفى العمل به على أنه قد روي أن قوله:"الماء من الماء" كان في أول الأمر ثم نسخ وصار الغسل يجب إما من الجماع، وإما من الإنزال.
في هذا الحديث فوائد منها: التكنية عما يستحيا من ذكره لقوله: "إذا جلس بين شعبها الأربع"، ومعلوم أن الرسول - عليه الصلاة والبسلام- لا يريد أن يجلس على أليته على شعبها الأربع، لا يريد هذا قطعا، وإنما هو كناية عن الجماع.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الغسل واجب إذا حصل الجهد، وهذا لا يتحقق إلا إذا التقى الختانان، ختان الرجل وختان المرأة، وهو كناية عن تغييب الحشفة في الفرج، فمتى حصل التغييب وجب الغسل، وأما ما دون ذلك فإنه لا يوجب الغسل إذا لم يكن إنزال؛ يعني: لو أن الرجل وضع رأس ذكره على حافة فرج الأنثى ولم ينزل فليس عليه غسل، لماذا؟ لأنه لم يجهدها ولا تحس بهذا ايضا؛ يعني: من حيث المشقة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن ظاهره وجوب الغسل سواء كان بحائل أو بغير حائل؛ لأنه إذا غيب ذكره في فرجها بحائل سيبلغ منها الجهد، وإلى هذا ذهب كثير من العلماء، وقال بعض العلماء: لا يجب مع الحائل؛ لأن في بعض الألفاظ:"إذا مس الختان الختان"، والمس لا يصدق إلا إذا كان بغير حائل؛ ولأن الأصل عدم الوجوب، لكن لو حصل إنزال وجب الغسل بالإنزال.