للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخصومة فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل" هذه الجملة خبرية ولكنها إنشائية، حذفت منها همزة الاستفهام الإنكاري والتقدير: أيعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل، والمراد من الاستفهام هنا: الإنكار والتوبيخ، ولهذا جاءت بوجهين الوجه الأول: وجه يقتضي الحنو والرفق والرأفة وهو قوله: "أخاه" والوجه الثاني: يقتضي التنفير والبعد عن هذا العمل المشين وهو قوله: "كما يعض الفحل" بالحيوان، والفحل هو الذكور من البهائم، لكن المراد به: الذكور من الإبل؛ لأن عضه شديد كما سيذكره، قلنا: إن الجملة هنا خبرية حذف منها همزة الاستفهام، ونظير ذلك قوله تعالى: (أم اتخذوا إلهة من الأرض هم ينشرون" [الأنبياء: ٢١]. جملة هم ينشرون ليست صفة لآلهة ولكنها جملة استئنافية إنشائية حذفت منها همزة الاستفهام والتقديم أهم ينشرون حتى يكون آلهة والاستفهام هنا للإنكار ولهذا يحسن للقارئ إذا قرأ هذه الآية (أم اتخذوا إلهة من الأرض) يحسن به أن يقف حتى يتبين معنى الكلام وكثير من القراء وهم قراء قد يُشار إليهم بالبنان يغفلون مثل هذه الأمور تجده يقرأ هذه الآيات ويصل بعضها ببعض فيختلف المعنى اختلافًا كبيرًا ومثل ذلك أيضًا قوله تعالى: (أفمن كان مؤمنًا كمن كان فاسقًا) [السجدة: ١٨]. سمعنا قراء يقولوا: (كمن كان فاسقًا لا يستوون)، وهذا غلظ بل تقف (أفمن كان مؤمنًا كمن كان فاسقًا) يحتاج إلى جواب الآن، الجواب (لا يستوون) فالجملة بعدها جواب لها فكيف توصل بها وهي جواب؟ فمثل هذه المسائل ينبغي للإنسان أن يتفطن لها حتى إن شيخ الإسلام رحمه الله انتقد الذين حزبوا القرآن ولم يراعوا الجمل والقواطع أو الفواصل المعنوية (لقد جئت شيئًا نكرًا * قال ألم أقل لَّك إنك لن تستطيع معى صبرًا) [الكهف: ٧٤، ٧٥]. كثير من المصاحف يجعلون منتهى الجزء (لقد جئت شيئًا نكرًا) ما تم الكلام، الصحابة لا يمكن أن يحزبوا القرآن هذا التخريب فيبترون المعاني أبدًا، لابد أن يكون الحزب على منتهى الكلام وقد ذكر هذا رحمه الله في التفسير الذي خرج أخيرًا بأن تحزيب الصحابة للقرآن ليس كالتحزيب الموجود الآن، يعني: من كل وجه، بل كانوا يراعون الكلام والمعاني المتصل بعضها ببعض، حتى إني رأيت بعض المصاحف جعل نصف القرآن (وليتلطف) قال: هذا نصف القرآن ويبدأ النصف الثاني من (ولا يشعرن بكم أحدًا) [الكهف: ١٩]. فإن أرادوا بالمعنى فهذا غير صحيح وإن أرادوا بالحروف أو الكلمات فهذا يرجع إلى الإحصاء المهم.

على كل حال: أن قوله: "يعض أحدكم" الجملة خبرية لكنها إنشائية حذفت منها همزة الاستفهام الدالة على الإنكار وقوله: "كما يعض الفحل"، قلنا: إن هذا للتقبيح لينفر الإنسان من هذا الحال لأن الفحل عضه شديد والإبل من أكثر الحيوان حقدًا، ولا ننسى أبدًا أنه قد ذكر لنا

<<  <  ج: ص:  >  >>