أن رجلاً كان هنا في عنيزة تُباع الإبل عند الجامع كان فيه متسع يُسمى المجلس وهو سوق للغنم وللإبل وكان مع الناس واقفًا ليشتري بعيرًا فإذا بجمل جاء منصبًا إلى دماغ هذا الرجل فأمسكه بفمه وضرب به الأرض وبرك عليه لولا أن الله سبحانه يسر أن عادة الناس الذين يبتاعون الإبل يكون معهم عصى جيدة، فضربوا هذا الجمل حتى مات وإلا لمات الرجل فقيل له ما السبب قال إني مرة من المرات أراد الناقة فمنعته عنها! فجعل هذا الجمل الحقد في قلبه حتى وجده، فالفحل عضه شديد، ثم قال:"لا دية له" الدية هي العوض المدفوع عن الجناية عن النفس الكاملة ولكن تطلق الدية حتى على دية الأعضاء والجروح تسمى دية وأما ما يدفع ضمانًا لغير النفس والأعضاء والجروح فإنه لا يسمى دية، فلو أن إنسانًا أتلف بعيرًا أو شاة أو بقورة لشخص ودفع قيمتها فإن ذلك لا يسمى دية ولكن يسمى قيمة.
هذا الحديث فيه فوائد: أولاً: أن الشيطان ينزغ بين بني آدم حتى يلحقهم بالبهائم لكون هذين الرجلين عض أحدهما الآخر كما بعض الفحل.
من فوائد الحديث: أن من أتلف شيئًا لدفع أذاه فلا ضمان عليه لأن هذا الرجل اتلف الثنية لدفع أذاه هي التي عضت يده، ولهذا لم يجعل فيها النبي صلى الله عليه وسلم صمانًا وهذه قاعدة من قواعد الفقه ذكرها ابن رجب في القواعد الفقهية قال من أتلف شيئًا لدفع أذاه لم يضمنه وإن أتلفه لدفع أذاه به ضمنه الدليل مثل هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدر دية الثتية التي تلفت بانتزاع هذا الرجل يده من بينها وبين الثنية الأخرى لأن الرجل إنما أراد دفع الأذى ومن ذلك ما سبق في الحديث الذي قبله أن من صال عليك فدفعته فإن لم يندفع إلا بالقتل فقتلته فإنه ليس له دية لأنك أتلفته لدفع أذاه، أما إذا أتلفت الشيء لدفع أذاك به فإنك تضمنه ودليل ذلك قوله تعالى:(فمن كان منكم مريضًا أو به أذًى من رأسه ففديةٌ من صيامٍ أو صدقةٍ أو نسكٍ ... ) الآية نزلت في كعب بن عجرة حين جيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهه من رأسه لمرض كان به فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلق رأسه وأن يفدي فهنا أتلف الشعر لدفع أذى الشعر أو لدفع أذاه به؟ الثاني؛ لأن الذي أذاه هو هوام رأسه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "لعلك أذاك هوام رأسك" والقمل عادة يكون تحت الشعر فإذن له أن يحلق رأسه وأن يفدي وهذا أتلف الشعر لدفع أذاه به أي بإتلاف الشعر ومن ذلك أيضًا لو أن شخصًا في سفينة محملة وفيها بضائع للناي وخيف الغرق فإننا نلقي من البضائع في البحر خوفًا من الغرق فهل تضمن هذه البضائع التي ألقياها في البحر؟ نعم، لأننا نريد أن ندفع الأذى بذلك فنضمن لصاحبها قيمتها أو مثلها حسب ما هو معروف في الفقه.