للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسولاً ليعلم الناي، وقال تعالى: (رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) فدل ذلك على أنه إذا لم تبلغ الرسالة فاللناس حجة فلا يكفرون وقال الله تعالى: (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً يتلوا عليهم آياتنا وما كنا مهلكى القرى إلاَّ وأهلها ظالمون) [القصص: ٥٩]، قال حتى يبعث في أمها رسولاً يتلو عليهم آياتنا ... إلخ.

وقال الله تعالى: (وما كان الله ليضل قوما بعد غذ هداهم حتَّى يبين لهم ما يتقون) [التوبة: ١١٥]، وقال تعالى: (وما أرسلنا من رسولٍ إلا بلسان قومه ليبين لهم) [إبراهيم: ٤]، وإذا لم يبن فلا فائدة من الرسالة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بما جئت به إلا كان من أصحاب النار"، وهذا يدل على أنه إذا لم يسمع فليس من أهل النار لأنه جاهل وأنكر عمر رضي الله عنه آية من الفرقان؛ لأنه سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم على غير الوجه الذي سمعها من قارئها حتى إنه خاصمه وذهب به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فحكم بينهما وقال هكذا أنزلت لما قال عمر ولما قال الرجل الآخر ومعلوم أن إنكار آية أو حرف من القرآن كفر لكن عمر لم يعلم إذن لابد من العلم.

فإن قال قائل: إذا ادعى أنه جاهل فهل تقبل دعوى الجهل؟

نقول في هذا تفصيل: إن كان في مكان ناءٍ بعيد كمن عاش في بادية بعيدة ليس عندهم من يعلمهم فإن دعوى الجهل منه مقبولة وإن كان قد عاش بين الناس الذين عندهم علم في هذا الأمر فإنه لا يقبل فمن كان حديث عهد بإسلام هو في بلده بلد كفر يعبدون الأشجار والأصنام ويزنون ويشربون الخمر ثم أسلم وقال إن الخمر ليست حرامًا فإننا نعذره في ذلك لأنه جاهل لكن لو قال إن الخمر غير حرام وهو عائش في بلاد المسامين فإننا لا نقبل منه لأن هذه الدعوى خلاف الظاهر، الشرط الثاني: أن يكون قاصدًا للكفر وانتبهوا لكلمة قاصدًا لأنها دقيقة فمن قصد الكفر كفر سواء كان جادًا أم هازلاً المهم أنه قصد فمن نطق بالكفر غير قاصد فإنه لا يكفر وتحت هذا عدة صور الصورة الأولى: أن يغضب غضبًا شديدًا حتى لا يدري ما يقول ثم يتكلم بكلمة الكفر فهذا لا يكفر لعدم القصد.

الصورة الثانية: أن يفرح فرحًا شديدًا فيقول كلمة الكفر وهو غير قاصد فهو أيضًا لا يكفر بدليل صاحب الناقة التي أضلها حتى اضطجع تحت شجرة ينتظر الموت فإذا بخطام ناقته متعلقًا بالشجرة فأخذ به وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح ولم يكفر؛ لأنه غير قاصد، ويشبه هذا من فعل مكفرا لكمال تعظيمه لله وخوفه منه لا استهانة بالله مثل

<<  <  ج: ص:  >  >>