الرجل الذي كان مسرفًا على نفسه فقال لأهله: والله إن قدر الله علي لعذبني عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين ولكن إذا مت فأحرقوني واذروني في اليم ففعل أهله فجمعه الله عز وجل وقال ما الذي حملك على هذا قال يا رب مخافتك فغفر الله له لأن هذا جاهل كيف ينفذ هذا الخوف من الله عز وجل ورأى أن هذا أسلم طريق يسلم به من مخافة الله ومن صور هذه المسألة -أعني القصد- إذا أكره الإنسان على الكفر ففعله لداع الإكراه لا قاصدًا إياه فإنه لا يكفر لقول الله تعالى:(من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرًا)[النحل: ١٠٦]، ولا فرق بين أن يكره على قول أو على فعل وقصة الذبابة التي ذكرت ليست بصحيحة التي فيها أنه قبل لأحدهم: قرب ولو ذبابة فقرب فدخل النار وقيل للآخر: قرب فقال: ما كنت لأقرب لأحد من شيء دون الله فإنها غير صحيحة ثم على فرض صحتها هي شرع من قبلنا وقد ورد شرعنا بخلافه لقوله تعالى: (ألا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان) ولم يقيد ذلك من أكره بقول وكذل الحديث إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، المهم أن هذه الصور كلها تدخل تحت كلمة قصد الكفر ولا فرق بين كونه جادًا أو هازلًا، يعني: لو نطق بكلمة الكفر جادًا أو هازلًا أو فعل فعلة الكفر جادًا أو هازلًا فهو كافر ودليل ذلك قوله -تبارك وتعالى-: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم)[التوبة: ٦٥، ٦٦].
الشرط الثالث: أن نعلم أن هذا الشيء كفر منطبق على من قام به بمعنى أن نعرف أن هذا كفر دل عليه الشرع وأن الذي قام به هذا العمل المكفر قابل لأن يكفر فإذا لم نعلم أنه كفر وشككنا هل هذا كفر أو غير كفر فالأصل عدم الكفر وأن الإنسان مسلم وإذا علمنا أنه كفر لكن شككنا في حال من قام به هذا العمل هل هو معذور بتأويل أو جهل أو لا فإننا أيضًا لا نحكم بكفره ولهذا منع النبي صلى الله عليه وسلم من منابذة الولاة قال "إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان" فهذه قيود مبينة عظيمة أن تروا، يعني: تعرفوا وصده الجهل أو الظن كفرًا أي: لا فسقًا لابد أن نعلم أنه كفر بواحًا أي: صريحًا واضحًا عندكم فيه من الله برهان أي دليل واضح.
من فوائد الحديث: أن في دليل على أنه يجب على الإمام بعث الدعاة إلى الأقطار للدعوى للإسلام وهل توافقوني على وجوب البعث؟ لو قال قائل: هذا فعل والفعل لا يدل على الوجوب فالجواب هذا فعل مفسر لقوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) والأمر للوجوب بلا شك فيكون الفعل المفسر له واجبًا.