ومن فوائد الحديث: جواز الإقرارات في المسجد مع أن أصل بناء المساجد للذكر وقراءة القرآن والصلاة لكن لا بأس بالإقرارات، فأما ما يتعلق بأمور الدين فلا شك في جوازه، ومنه هذه المسألة؛ لأن معازًا رضي الله عنه أقر في المسجد ولم يقل له الرسول صلى الله عليه وسلم: انتظر حتى تخرج بل قبل إقراره، لكن إذا كان إقرارًا في أمور دنيوية كرجل أقر بدين عليه في المسجد فعل ذلك جائز؟ الجواب: نعم، هو جائز؛ لأن إقرار الإنسان بحق عليه قد نقول: إنه من الدين؛ حيث إنه اعتراف بما يجب عليه من حقوق الناس، وكذلك يجوز التقاضي في المسجد؛ أي: أن الإنسان يكون عليه دين فيرى غريمه في المسجد فيوفيه فإن ذلك جائز؛ لأن إبراء الذمة من الأمور المطلوبة فلا بأس بقضاء الدين في المسجد، وأما البيع والشراء سواء كان بالصيغة المعهودة كبعت واشتريت، أو بما يدل على ذلك مثل أن يقول الرجل للتاجر: يا فلان، أرسل إلى البيت كيسًا من الرز أو كيسًا من السكر فيقول: أفعل، فإن هذا لا يجوز؛ لأنه بيع وشراء، فقوله: أرسل إليّ، يعني: بع عليّ، وأرسل إلى البيت، وقول الثاني:"نعم" هذا هو القبول أو الإيجاب.
ومن فوائد الحديث: جواز رفع الصوت في المسجد لقوله: "فناداه"؛ لأن النداء يكون بصوت عالٍ، كما قال الله تعالى:{وناديناه - أي: موسى - من جانب الطُّور الأيمن وقرَّبناه نجيًّا}[مريم: ٥٢]. لما قرب صار كلامه مناجاة، ولما كان بعيدًا كان كلامه نداء، إذن "ناداه" أي: بصوت مرتفع.
ومن فوائد الحديث: جواز التصريح بما يلام عليه العبد إذا دعت الحاجة إليه لقوله: "إني زنيت"، وكان بإمكانه أن يقول: أتيت أمرًا عظيمًا، لكنه صرَّح بهذا، وكأنه - والله أعلم - فعل ذلك غضبًا لله وانتقامًا لنفسه من نفسه، وهذا يجري كثيرًا في أولياء الله، فها هو سليمان - عليه الصلاة والسلام - عرضت عليهالخيل قبل صلاة العصر فانشغل بها عن صلاة العصر حتى غابت الشمس، فلما رأى ما حصل قال:{ؤدُّوها عليَّ} فردوها {فطفق مسحًا بالسوق والأعناق}[ص: ٣٣]. المراد بذلك: قطع أعناقها وعقر سوقها، والسوق جمع ساق، فعل ذلك انتقامًا من نفسه لنفسه؛ لأنها ألهته عن ذكر الله {إنِّي أحببت حبَّ الخير عن ذكر ربِّي حتَّى توارت بالحجاب}[ص: ٣٢].
ولا حرج أن الإنسان إذا رأى شيئًا من ماله ألهاه عن ذكر الله أن يكسره أو يبيعه ويخرجه عن ملكه حتى لا يتلهى به، ونظير ذلك إحراق رحل الغال الذي يغل من الغنيمة مع أن الأنفع - فيما يبدو - أن يدخل في بيت المال في الغنيمة ينتفع به الناس، لكنه يحرق هنا لما يترتب على ذلك من النكال والعقوبة.
ومن فوائد الحديث: حسن معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه؛ حيث ينزل كل إنسان منزلته، وذلك أنه أعرض عن ماعز بن مالك متشككًا في أمره، لكنه لم يعرض في قضية العسيف؛ لأن الأمر كان واضحًا.