هل يلحق بالمجنون من زال عقله بسبب؟ نقول: إن كان السبب غير محرم فإنه يلحق بالمجنون ولا يترتب على أقواله شيء كما لو بنِّج على وجه حلال أو أصيب بحادث فاختل عقله أو كان مريضًا مرضًا شديدًا وصار يخرف فغنه لا عبرة بقوله؛ لأنه لا يعي ما يقول، وأما إذا كان بسبب محرم كما لو شرب مسكرًا فهل تعتبر أقواله؟ في هذا خلاف بين العلماء، مثاله: رجل سكر فطلق زوجته فهل تطلق؟ فيه خلاف؛ من العلماء من قال: إنها لا تطلق، ومنهم من قال إنها تطلق، فأما من قال: إنها تطلق فحجته أن هذا الرجل الذي لا يعي ما يقول إنما فعل ذلك باختياره فيعاقب بما تكلم به، كما عاقب أمير المؤمنين عمر من طلق ثلاثًا بمنعه من الرجوع إلى زوجته؛ لأن الطلاق الثلاث محرم، ومن العلماء من يقول: إن طلاق السكران لا يقع؛ لأنه لا يدري ما يقول، وقد صرَّح الله عز وجل بأن السكران لا يعي ما يقول، فقال عز وجل:{يا أيُّها الَّذين آمنوا لا تقربوا الصَّلاة وأنتم سكارى حتَّى تعلموا ما تقولون}[النساء: ٤٣]. ومن المعلوم أن من طلق بلا علم ولا وعي كيف نلزمه بالطلاق وهو لا يعي ولا يدري ما يقول؟ وهذا هو الصحيح، وهو داخل في قوله صلى الله عليه وسلم:"لا طلاق في إغلاق"؛ لأن السكران مغلق عليه، وقد صح ذلك عن الخلفاء الراشدين أنه لا طلاق على السكران، وقولهم: إننا نلزمه بالطلاق عقوبة له كإلزام عمر المطلق ثلاثًا بعدم الرجوع إلى زوجته عقوبة له، نقول: الفرق بينهما ظاهر؛ لأنّ شارب الخمر لم يشرب ليطلق بخلاف الذي قال: إنها طالق ثلاثًا، فإنه طلق ثلاثًا من أجل أن تبين منه فعوقب بما قصد، وأما السكران فإنه لم يسكر ليطلق فصار بينهما فرق، وأيضًا عقوبة السكران ثبتت في السُّنة، وذلك بالجلد، فإذا زدنا على تلك العقوبة فهذا فيه نوع من تعدي حدود الله لا سيما على القول بأن عقوبة شارب الخمر من باب الحدود، فالصواب أن طلاق السكران لا يقع كسائر أقواله.
بقي علينا: ماذا نقول في أفعال المجنون هل تعتبر؟ الجواب: تعتبر، ولكن ذلك في حق العباد لا في حق الله، فمثلًا لو أتلف شيئًا أتلف مالًا لشخص هل نضمنه؟ نعم؛ لأن هذا حق آدمي، وإتلاف مال الآدمي يستوي فيه العامد وغير العامد، ولو قتل صيدًا في الحرم هل نضمنه؟ لا؛ لأن هذا حق الله، فصارت أفعال المجنون تنقسم إلى قسمين الأول: ما يتعلق بحق العباد فهذا يضمن إياه، وما يتعلق بحق الله فإنه لا يضمن؛ لأنه رفع القلم عنه.
هناك بحث آخر: هل يضمن حق الآدمي كما يضمن العاقل؟ الجواب: لا، لكنه يضمن حق الآدمي كما يضمن المخطئ؛ مثال ذلك: لو أن هذا المجنون تعمد قتل إنسان عمدًا فهل يقتص منه، يعني: هل يقتل المجنون؟ لا؛ لأن فعله عن غير قصد، فهو كفعل العاقل المخطئ،