محمدًا بالحق وأنزل عليه الكتاب"، وهذا كالتمهيد لما بعده؛ لأن صلب الموضوع سيذكر فيما بعد، قوله: "بعث محمدًا" ولم يقل: رسول الله؛ لأن هذا من باب الخبر، ويجوز أن يذكر النبي صلى الله عليه وسلم باسمه في باب الخبر بخلاف الدعاء فإنه لا يدعى باسمه، بل يقال: يا رسول الله، أو يا نبي الله، قال الله تعالى:{لاَّ تجعلوا دعاء الرَّسول بينكم كدعاء بعضكم بعضًا}[النور: ٦٣].
وقوله: "بالحق" له وجهان: الوجه الأول: أنه ملتبسٌ بالحق؛ أي: أن رسالته حق.
والوجه الثاني: أنه جاء بالحق أرسل بالحق، وأن ما جاء به من الرسالة حق؛ لأنها مشتملة على الصِّدق في الأخبار والعدل في الأحكام، وعلى مصالح الناس في دينهم ودنياهم، وعلى أسباب الرفعة والعزة والكرامة والتقدم والظهور والانتصار، "وأنزل عليه الكتاب" يعني به: القرآن، وسمي القرآن كتابًا بمعنى مكتوب؛ لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ، ومكتوب بأيدي السفرة الكرام البررة، ومكتوب في المصاحف التي بأيدينا فلهذا يسمى مكتوبًا.
"فكان فيما أنزل الله عليه آية الرجم"، "في" هنا للظرفية؛ لأن ما أنزل على الرسول أوسع من آية الرجم، فصح أن تكون "آية الرجم" مظروفًا لما أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم.
"قرأناها ووعيناها وعقلناها"، قرأناها بألسننا ووعيناها بآذاننا كما قال الله تعالى:{وتعيها أذنٌ واعيةٌ}[الحاقة: ١٢]. وعقلناها بقلوبنا يعني: أنها تمت فيها شروط الثبوت بالقول والسمع والفهم - العقل -.
"فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده"، كم رجم النبي صلى الله عليه وسلم؟ اليهوديين وماعزًا والغامدية وامرأة صاحب العسيف هذه خمسة، يقول: "ورجمنا بعده"؛ لأنه رضي الله عنه خليفة، وإقامة الحدود إلى السلطان وهو الخليفة.
"فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله"، "أخشى" بمعنى: أخاف خوفًا ثقيلًا، "إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله" لأن الناس كلما بعد زمانهم عن عهد النبوة ضعف فهمهم لها لطول الزمن وضعف الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر أن خير الناس قرنه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون ويؤتمنون ويخونون ويظهر فيهم السِّمن، فإذا طال الزمن بين الناس وبين عهد النبوة فلا بد أن يتخلخل الأمر، من ذلك أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله؛ لأن هذه الآية نسخ لفظها وبقي حكمها، وهذا أحد أوجه النسخ أن ينسخ اللفظ ويبقى الحكم، وهناك آخر ضده أن ينسخ الحكم ويبقى اللفظ، وهناك وجه ثالث: أن ينسخ الحكم واللفظ، والله عز وجل حكيم لا ينسخ شيئًا إلا لحكمة سواء كان اللفظ أو الحكم أو الجميع.
قال: "فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله" يضلوا أي: يتركوا فالضلال قد يراد به عدم العلم، وقد