وهذا هو القول المتعين، وهو الصواب، وفسر العذاب بهذا المعنى، فيكون قوله:{ويدرءوا عنها العذاب}[النور: ٨]. أي: حد الزنا رجما كان أو جلدًا، ويدل لذلك قوله تعالى في الزاني والزانية:{وليشهد عذابهما طائفةٌ من المؤمنين}[النور: ٢].
فجعل حد الزنا عذابًا وهو كذلك إن تكل هو عن اللعان يعني لما لم تقر ولم يأت ببيئة وقلنا له: لاعن. قال: لا ألاعن، ماذا نصنع؟ نقيم عليه حد القذف، فصار الزوج إن نكل أقيم عليه حد القذف، والزوجة إن نكلت بعد ملاعنة الزوج أقيم - عليها على القول الراجح - حد الزنا، صار هذا الحديث يعتبر منسوخًا بالقرآن هكذا قال بعض العلماء، وقيل: ليس منسوخًا بالقرآن ولكنه مخصوص بالقرآن، وهذا القول هو الصحيح أي: أنه مخصوص بالقرآن، لكن إن ورد عن السلف أنه منسوخ فإن السلف يجعلون التخصيص نسخًا، ووجه ذلك: أن التخصيص نسخٌ للعموم؛ لأنه أخرج بعض أفراد العموم عن الحكم العام وهذا نوعٌ من النسخ، فالسلف - يعني: الصحابة والتابعين - قد يعبرون بالنسخ ويريدون به التخصيص، والصحيح أنه تخصيص.
وخلاصة هذا الحديث نقول: إذا قذف الرجل زوجته بالزنا فلا تخلو الحال من أربعة أحوال.
الأولى: أن تقر بالزنا فيقام عليها الحد.
الحال الثانية: أن يقيم عليها بينة بعد أن تنكر، فيقيم عليها بينة، فيقام عليها الحد.
الحال الثالثة: إلَّا يكون عنده بينة وينكل عن اللعان إذا طلبناه منه، فيقام عليه هو الحد.
الحال الرابعة: أن يلاعن؛ يعني: ألَّا يكون عنده بينة ويلاعن، ولا تلاعن الزوجة فيقام عليها الحد على القول الصحيح؛ أي: حد الزنا وليس الحبس.
الحال الخامسة: أن يلاعن وتلاعن هي أيضًا، وفي هذه الحال لا يقام عليه الحد حد القذف ولا يقام عليها حد الزنا، ولكن يفرق بينهما تفريقًا مؤبدًا لا تحل له أبدًا، هذا حكم قذف الرجل زوجته، وعرفتم كيف نخرج قوله صلى الله عليه وسلم:"البينة وإلا حد في ظهرك" بأن هذا كان قبل نزول آية اللعان.
قال: وفي البخاريِّ نحوه من حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
وهو كذلك الذي في البخاري من حديك ابن عبَّاسٍ قريب من هنا، بل إن قوله:"البينة أو حد في ظهرك" جاءت في البخاري بهذا اللفظ.