نقول: لا، لا يخالف، لأنه يجب أن نقول: ثلاثة دراهم قيمتها في ذلك الوقت ربع دينار؛ ولهذا جاءت الدية ألف مثقال ذهبًا واثني عشر ألف درهم فضة وألف مثقال ذهبًا، فصار الآن ثلاثة در هم ربع دينار، فهكذا كانت القيمة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قيمة الدينار كانت اثني عشر درهمًا فتكون ثلاثة دراهم تساوي ربع دينار، وحينئذ لا معارضة بين هذا الحديث وبين قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تقطع يد السارق إلَّا في ربع دينار".
فإن قال قائل: إن قول ابن عمر هذا مبني على ظنه.
قلنا: الأصل عدم الظن، وأنه يعلم أن ثمنه لو بيع لكان ثلاثة دراهم، ولكن الجمع كما قلنا، لو سرق ثلاثة دراهم ليس شيئًا يساوي ثلاثة دراهم بل سرق ثلاثة دراهم هل تقطع أو لا؟ تقطع؛ لأن ثلاثة دراهم ربع دينار - نصاب -، واختلف العلماء - رحمهم الله - فيما لو اختلف السعر عن عهد النبي صلى الله عليه وسلم فهل المعتبر الدراهم أو الدنانير أو الأعلى ثمنًا وقيمة؟ فقيل: المعتبر الدراهم، وقيل: الدنانير، وقيل: الأرفع قيمة، يعني: قد يكون ربع الدينار أربعة دراهم، وقد يكون ربع الدينار درهمين، والصحيح أن المعتبر ربع الدينار، فلو زادت الدراهم أو قلَّت الدراهم أو رخصت فلا عبرة، بها العبرة بالدنانير، فإذا سرق ربع دينار أو ما يساوي ربع الدينار فإنه يقطع.
١١٨٢ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، "لعن الله السَّارق؛ يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده". متَّفقٌ عليه أيضًا.
هذا يحتمل أن يكون خبرًا، ويحتمل أن يكون دعاءً، وهذا واضح إذا صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما إذا صدر عن غيره فإن ثبت اللعن فهو خبر وإلَّا فهو دعاء، فقول الرسول:"لعن الله السارق" يحتمل أنه خبر عن الله، أي: يخبر بأن الله لعن السارق، ويحتمل بأنه دعاء، وأيًّا كان فإنه دليل على أن السرقة من كبائر الذنوب.
وقوله:"يسرق البيضة ويسرق الحبل"، سبق لنا أن بعضهم قال: المراد بالبيضة: الخوذة التي توضع على الرأس عند القتال، وقال بعضهم: المراد بالبيضة إذا بلغت ربع دينار، ويوجد معنى ثالث وهو: أن المراد بذلك: السارق يسرق الأشياء الخفيفة أولًا ثم لا يزال يترقى حتى يسرق الأشياء الغالية الثمن، فيكون المراد: أنه لعنه بابتداء تدربه على السرقة.
فمن فوائد الحديث: جواز الدعاء باللعن على من سرق، تقول: لعن الله السارق سرق