للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي قدرها الشرع في فعل المعصية، والمعنى: أتشفع في عقوبة فرضها الله عز وجل وسبب هذا أن امرأة مخزومية من بني مخزوم - من كبار قبائل العرب - كانت تستعير المتاع؛ أي: تطلب من مالكه أن يعيرها إياه ثم إذا استعارته أنكرته، وقالت: لم آخذ منك شيئًا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر أن تقطع يدها، فلما أمر بذلك لحق قريشا الهم والكآبة والحزن أن تقطع يد امرأة من بني مخزوم، فأهمهم هذا الأمر وطلبوا من يشفع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فهابوا أبا بكر وعمر وغيرهما من سادات الصحابة وقالوا: لا أحد يشفع إلَّا أسامة بن زيد بن حارثة؛ لأنه ابن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ويحب أباه؛ ولهذا يلقب بأنه حب رسول الله؛ أي: محبوبه فطلبوا من أسامة أن يشفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المرأة، فشفع فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "أتشفع في حد من حدود الله" يعني: هذا لا يمكن؛ لأننا لو قبلنا الشفاعة لتعطلت الحدود ولبقيت الحدود التي فرضها الله عز وجل لا قيمة لها، ثم قام فخطب الناس، يعني: ألقى خطبة، وكان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن يخطب عند النوازل، وخطبه - عليه الصلاة والسلام - قسمان: قسم راتب كخطبة الجمعة، وقسم عارض كخطبة الكسوف، وكذلك خطبته في قصة بريرة وغير ذلك من المناسبات، خطب فقال: "يا أيها الناس، إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم" النداء هنا مناسب جدًّا لأن المقام مقام عظيم ينبغي أن يتنبه له المخاطب، والنداء - كما أسلفنا مرارًا - يفيد تنبيه المخاطب حتى ينتبه ويعتني قال: أيها الناس إنما أهلك الذين من قبلكم، والمراد بالهلاك هنا يحتمل الهلاك الحسي يهلكهم الله بسبب المعاصي، أو أنه الهلاك المعنوي وهو هلاك المجتمع، وقوله: "أنهم كانوا" وأنه هنا بالفتح؛ لأنها على تقدير حرف الجر أي: بأنهم، فالجملة - إذن تعليلية على تقدير حرف الجر.

"أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه" يعني بالشريف: ذا الشرف والرفعة والجاه عند قومه إذا سرق تركوه لأنه شريف، "وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد"، لأنه لا ناصر له ولا جاه له فيقيمون عليه الحد.

ولم يذكر المؤلف رحمه الله بقية الحديث؛ لأن هذا لفظ مسلم، والمقصود منه في هذا الباب ما ذكر، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال كلمة ينبغي أن يسير عليها ولاة الأمر قال: "وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"، وفي لفظا: "لقطع محمد يدها"، فأقسم - وهو الصادق البار بدون قسم - أنه لو كانت فاطمة وهي أجل قدرًا من المخزومية وأعلى نسبًا لو أنها سرقت لقطع يدها، يعني: لا بد من قطع اليد، لا بد من تنفيذ حدود الله، وهذا كقوله في قصة الربيع أخت

<<  <  ج: ص:  >  >>