ثم قال:"وله - أي: لمسلم - كانت امرأة تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم" كانت امرأة، ومعروف أنها من بني مخزوم، لكن أحيانًا يذكر الراوي الاسم مبهمًا سترًا عليه إذا كان لم ينسه أو نسيانًا إن كان قد نسيه ولكن الذي يظهر أنه كان من باب الستر؛ لأنه قد ورد مصرحًا به في وتجه آخر، "تستعير المتاع"، الاستعارة: طلب الإعارة، كالاستغفار طلب المغفرة، والغالب أن السين والتاء المزيدتين فيهما استدعاء وطلب، وقولنا:"الغالب"، احترازًا من غير الغالب في مثل "استقر" فإنه ليس معناها طلب القرار، ولكنه بمعنى قرَّ، لكن الغالب أن الاستفعال يفيد الطلب، فقوله:"تستعير" أي: تطلب الإعارة، وما هي الإعارة؟ هي بذل المال لمن ينتفع به ورده بعينه، فقولنا:"لمن ينتفع به" خرج به سائر البذل وخرج به الهبة؛ لأن باذلها يريد بذلك تمليك الموهوب له، وخرجت الوديعة؛ لأن معطيها لا يريد أن ينتفع بها المودع، وإنما يريد منه أن يحفظها، وخرج بقولنا:"لمن ينتفع به" الإجارة؛ لأن المؤجر يسلِّم العين المستأجرة لملك المستأجر منافعها، وبه يظهر الفرق الدقيق بين العارية وبين الإجارة، فالإجارة يملك المستأجر المنافع، والعارية يملك الانتفاع، وبينهما فرق يظهر في بيان حكم من الأحكام التي تترتب على هذا الفرق، المستأجر له أن يؤجر العين بشرط إلَّا يكون لشخص أكثر منه ضررًا، المستأجر له أن يعير العين بشرط ألَّا يكون ذلك أشد ضررًا من انتفاعه هو، أمَّا المستعير فلا يملك تأجيرها ولا يملك إعارتها، لأنه يملك الانتفاع، ومن الفروق. على المذهب: أن المستعير ضامن لكل حال، والمستأجر لا يضمن إلَّا إذا تعدى أو فرط، والصحيح أن المستعير كالمستأجر في مسألة الضمان لا يضمن إلَّا إذا تعدى أو فرط، اللهم إلَّا إذا اشترط عليه الضمان مطلقًا والتزم فعلى ما اشترط، الجحد: بمعنى الإنكار، فمعنى جحد أي: أنكر، تأخذ المال من الناس إعارة ثم تنكر وتقول: ما أخذته ولا استعرته، "فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها"، أي: بقطع كفها؛ لأن اليد عند الإطلاق معناها الكف، ولم يبين في الحديث أيُّ اليدين، ولكن ثبت أن المراد بها: اليد اليمنى، لقراءة عبد الله بن مسعود في رضي الله عنه:{فاقطعوا أيمانهما}، والقراءة لا شك أنها حجة.
ففي هذا الحديث فوائد: أولًا: تحريم الشفاعة في الحد، يعني: في سقوطه، ولكن هذا إذا وصل إلى السلطان ولم يبق إلَّا التنفيل، أما قبل أن يصل إلى السلطان فلا بأس من الشفاعة.