وقوله:"واجب" الواجب هو الشيء الثابت اللازم، ومنه قوله تعالى:{فإذا وجبت جنوبها}[الحج: ٣٦]. أي: سقطت، ومنه قولهم: وجبت الشمس؛ يعني: غابت؛ لأن هذا مكث وثبوت.
وهو عند الأصوليين - الواجب- ما أمر به على وجه الإلزام ويثاب فاعله امتثالا ويستحق العقاب تاركه.
قوله:"على كل محتلم" أي: على كل بالغ، وذلك أن البلوغ يحصل بالاحتلام وهو إنزال الماء بشهوة في حال النوم، فيكون هذا القيد مبنيا لما سنذكره إن شاء الله تعالى.
في هذا الحديث نص صريح واضح على أن غسل الجمعة واجب، والمتكلم به هو أفصح الخلق، والمتكلم به أنصح الخلق، والمتكلم به أعلم الخلق، فهو - عليه الصلاة والسلام- اجتمع في كلامه العلم، والثاني الفصاحة، والثالث النصح، ومثل هذا يمكن أن يقول قولا يوهم معنى غير ظاهره، ونحن إذا نظرنا إلى الظاهر عرفنا أن الوجوب محتم، ويدل لها أنه علقه بوصف يقتضي التكليف، وهو الاحتلام، فيكون هاذ دليلا واضحا على أن المراد بالوجوب: اللزوم، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء - رحمهم الله-.
منهم من قال: إن الاغتسال للجمعة اغتسال لليوم؛ فيجوز أن يغتسل قبل الصلاة وبعد الصلاة، لكن هذا قول ضعيف، ولولا أنه قيل ما ذكرناه، والصواب: أن الغسل قبل الجمعة، لكن اختلفوا هل هو واجب أو سنة مطلقا في القولين، أو واجب على من كان فيه رائحة، أو حيث تتوقع الرائحة كأيام الصيف التي يكثر فيها العرق، والنتن، فالأقوال ثلاثة:
الأول: الوجوب. والثاني: الاستحباب. والثالث: التفصيل، فإذا كان مظنة انبعاث لرائحة كريهة، أو كان نفس الإنسان فيه عرق ووسخ كثير تنبعث منه الرائحة الكريهة كان الغسل واجبا، وإلا فلا، والذي تقتضيه الأدلة أن الغسل واجب مطلقا؛ لأن الأحاديث علمة "غسل الجمعة واجب"، والقائل بهذا يعرف بماذا يتكلم، ويعرف من يخاطب - عليه الصلاة والسلام-، ويدل للوجوب:
أولا: أن الرسول - عليه الصلاة والسلام- صرح به، ولو أن هذه العبارة في متن من متون الفقه ما توقف شارح المتن بأن المؤلف يرى الوجوب فكيف وهو حديث.
ثتانيا: أن الرسول - عليه الصلاة والسلام- علق الحكم بوصف يقتضي التكليف والإلزام وهو البلوغ.
ثالثا: الأوامر الأخرى: "إذا أتى أحدكم الجمعة فلغتسل". والأصل في الأمر الوجوب.