رابعا: أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كان يخطب الناس يوم الجمعة، فدخل عثمان وهو يخطب غكأنه لامه على تأخره، فقال: والله يا أمير المؤمنين ما زدت على أن توضأت ثم أتيت. فقال: والوضوء أيضا! وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم الجمعة فلغتسل"، فلامه على عذره، حيث إنه اقتصر على الوضوء، وتعلمون أن المتكلم عمر رضي الله عنه خليفة المسلمين، والمخاطب عثمان أفضل الصحابة بعده، والجمع من؟ الصحابة - رضي الله عنهم- فكيف يمكن لعمر أن يوبخ عثمان على الاقتصار على الوضوء في هذا الجمع العظيم، مع علو منزلته رضي الله عنه لولا أن الاغتسال واجب؛ فالصواب عندي كالمقطوع به أن غسل الجمعة واجب على كل إنسان، وما تركته منذ علمت بهذا الحديث لا صيفا ولا شتاء، ولا حرا ولا بردا، ولا إذا كان في مرض يتحمل الاغتسال، وقلت هذا حتى أنني لا أشك في وجوبه، وأرى أنه لابد أن يغتسل الإنسان، وسبحان الله! ماذا يكون جوابنا لله رب العالمين يوم القيامة إذا قال: أبلغكم رسولي بأنه واجب؟
فنقول: لا ليس بواجب، قال: واجب لأنه مؤكد، هذا لا يمكن للإنسان، ليس جوابا صوابا.
فلو قال قائل: إذا كان واجبا فهل هو شرط لصحة الصلاة؟
فالجواب: لا، لدليلين:
الدليل الأول: أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يلزم عثمان أن يذهب ويغتسل، ولو كان شرطا؛ لألزمه لأن معه وقت يدرك به الجمعة، يمكنه أن يذهب ويغتسل ويرجع ويصلي الجمعة.
الدليل الثاني: أن الله - سبحانه وتعالى- إنما جعل الغسل للصلاة من الجنابة، فقال:{وإن كنتم جنبا فاطهروا}[المائدة: ٦]. فأوجب التطهر للصلاة من الجنابة فقط، وعليه فلو أن الإنسان ترك الغسل يوم الجمعة ثم صلى فهل نقول: إن صلاته باطلة؟ لا، نقول: صلاته صحيحة، ولكنه آثم لترك الغسل.
فإذا قال قائل: لو أنه نوى في غسل الجمعة من الجنابة وللجمعة أيجزئ أم لا؟
فالصواب: أنه يجزئ؛ لأنهما عبادتان من جنس واحد متفقتان في الهيئة والوصف فقامت إحداهما مقام الأخرى، ولكن لو أراد أن يفرد أحدهما بنية فهل ينوي الغسل من الجنابة ويجزء عن غسل الجمعة، أو بالعكس؟ الأول نقول: إذا كنت تريد أن تقتصر على نية واحدة فإنه غسل الجنابة؛ لأنك إذا نويت غسل الجنابة أديت ما يجب لأنه حصل المقصود بالاغتسال، لكن إذا نويت غسل الجمعة وأنت عليك جنابة فإنها لا تصلح لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى".