هناك قول آخر أشرنا إليه: وهو أنه لابد أن يغتسل للجنابة غسلا تاما، وللجمعة غسلا تاما، وهذا رأي ابن حزم رحمه الله، يقول: لأنهما طهارتان واجبتان اختلف سببهما فوجب أن يجعل لكل سبب طهارته، لكن الصحيح: الأول وهو أنه إذا نواهما جميعا حصلا، وإن نوى غسل الجنابة سقط به غسل الجمعة، وإن نوى غسل الجمعة لم ترتفع الجنابة؛ لأن هذا الغسل ليس عن حدث، وإنما هو واجب للجمعة لا لكونه عن حدث، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى".
لكن بعض العلماء يقول: إذا نسي الجنابة أو جهل واغتسل للجمعة ثم ذكر أو علم فإنه يجزئ؛ لأنه حينئذ معذور، لكن في نفسي من هذا شيء، والأولى أن يعيد الغسل، ويعيد الصلاة، والصلاة ستكون ظهرا.
نعود إلى القول بالوجوب والقول بالاستحباب - يعني: في الغسل- من العلماء من قال: إن هذا الحديث - حديث أبي سعيد- لا يدل على الوجوب، وإنما يدل على التأكد، واستدلوا بحديث سمرة بن جندب قال:
١٠٧ - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل". رواه الخمسة، وحسنه الترمذي.
قوله - عليه الصلاة والسلام-: "من توضأ""من" شرطية، أي إنسان يتوضأ "يوم الجمعة" للجمعة، "فبها" أي فبالرخصة أخذ، "ونعمت" أي: ونعمت الرخصة، ويجوز أن يكون الضمير يعود على الطهارة، أي: فبالطهارة أخذ، "ونعمت الطهارة" أي: طهارة الوضوء.
قوله:"ومن اغتسل فالغسل أفضل" قالوا: إنه قال: الغسل أفضل، وهذا يدل على أن الغسل ليس بواجب؛ لأنه إن كان واجبا لم يقل إنه أفضل؛ ولكن هذا الحديث:
أولا: فيه مقال من ناحية السند فهو ضعيف من حيث السند، ومعلوم أنه لا يمكن لهذا الحديث الضعيف السند أن يقاوم حديث أبي سعيد الخدري الذي أخرجه الأئمة كلهم.
ثانيا: أن هذا الحديث إذا تأملته لفظا وجدت لفظه ركيكا يبعد أن يصدر من النبي - عليه الصلاة والسلام-؛ لأن كلام الرسول - عليه الصلاة والسلام- علي طلاوة وحلاوة ورونق من