بشاهد واليمين ولا بشهادة امرأتين، ولا بشهادة رجل وامرأتين إلَّا أنه إذا أتى المسروق منه بشهادة رجل وامرأتين ثبت ماله دون القطع؛ وذلك لأن الحدود - على قاعدة هؤلاء العلماء - لا تثبت بشهادة النساء يختص بالشهادة فيها الرجل فقط، وقال بعض أهل العلم: إنه لا يشترط تكرار الإقرار، وإن الإنسان إذا اعترف وهو بالغ عاقل مختار ولو مرة واحدة ثبت الحكم، وهذا القول هو الراجح، وقد سبق لنا هذا البحث في الإقرار بالزنا، وبينَّا أن الصواب أنه إذا أعترف الإنسان وهو بالغ عاقل مختار ثبت مقتضى إقراره.
ومن فوائد الحديث: التعريض للمقر بالرجوع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"ما إخالك سرقت" أي: ما أظنك، وهذا تعريض له بالرجوع، يعني: ليقول: نعم أنا على ما ظننت يا رسول الله، واختلف العلماء في هذه المسألة هل يسن للحاكم أن يعرض بالرجوع عن الإقرار؟ فمن العلماء من قال: إنه يسن أن يعرض بالرجوع عن الإقرار، وأنه إذا رجع عن إقراره ارتفع عنه الحد؛ لأن هذا هو فائدة التعبير بالرجوع عن الإقرار، وقال بعض العلماء: لا يسن ذلك وهذا هو الصحيح أنه لا يسن إلَّا إذا كان هناك أحوال تقتضي أن يعرض له بذلك كهذا الحديث؛ لأن هذا الحديث اعترف الرجل بأنه سارق، لكن لم يوجد معه متاع، فيخشى أن يكون هذا الرجل ظن أن السرقة تثبت بكل قليل وكثير، أو أن السرقة تثبت بما دون ذلك، ومن المعلوم أن من السُّراق من يسرق ويعترف ويقول: هذا سرقته من البيت الفلاني من الحرز، فهل يمكن مثل هذا أن نعرض له بالرجوع؟ لا، ثم ينبني على القول بالتعريض بالرجوع لو رجع المقر فهل يقبل رجوعه، يعني: بعد أن أقر بالسرقة رجع، فهل نقبل رجوعه أو لا نقبل؟ اختلف العلماء في ذلك أيضًا؛ فمنهم من قال: إنه لا يقبل رجوعه مطلقًا؛ لأنه شهد على نفسه، ولو أننا قلنا بقبول رجوع المقر بما يقتضي الحد لم يثبت حد في الدنيا؛ لأن كل واحد يمكنه أن يرجع ويسلم من الحد، والاستدلال بقصة ماعز رضي الله عنه لا وجه له؛ لأن ماعزًا لم يرجع عن إقراره لم يكذب نفسه، وإنما هرب ليتوب، وفرق بين من يرجع بإقرار ويكذب نفسه ويلعب بالحكام، وبين إنسان ما زال على إقراره لكنه هرب ليتوب فيما بينه وبين الله، فالاستدلال ليس بوجيه، لكن هذا الحديث قد يؤخذ منه أن الإنسان إذا رجع عن إقراره قبل، لكن هذا إذا لم يكن هناك قرائن تقتضي تكذيب رجوعه، فمثلًا: لو أن السارق أقر بالسرقة وقال: سرقت المال الفلاني ووصفه كمًّا ونوعًا، وقال: سرقته من المكان الفلاني ووصف المكان بأنه حرز ووجد نفس المتاع الذي وصفه