عنده، فهل بعد ذلك يمكن أن تقول: بقبول رجوعه عن إقراره؟ هذا لا يمكن، وإن كان بعض العلماء يقول: يمكن، لأنه لعله اشتراه هذا لا يمكن أن يقبل رجوعه عن إقراره؛ لأن القرائن تكذب رجوعه وتمنع قبول رجوعه، وعلى هذا فيكون القول الراجح الوسط في هذا إذا وجدت قرائن تشهد بأن رجوعه ليس بصحيح فإن رجوعه لا يقبل، وإن لم توجد فإنه يقبل رجوعه، لكن لو رأى الحاكم أن يعزره بما يقتضي ألَّا يتلاعب بالحكام فله ذلك؛ لأن القضية سوف تعرض ويكون لها جلسة عند القاضي ومحضر وكتابة وبعد هذا كله يقول: أنا أكذب أقررت بالسرقة، ولكن أكذب كنت أريد أن أعرف ما عندكم، ولما علمت أن السكينة الباترة مهيأة لقطع يدي فأنا أكذب، هذا ربما نقبل رجوعه إذا لم يكن هناك قرينة تكذبه، وأما مع وجود القرينة فلا وجه لقبول رجوعه، ولا يمكن أن يكون هذا القول عمليًّا في أحوال الناس لاسيما مع كثرة السرقات.
في هذا الحديث: حكمة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث إنه أعاد عليه هذا القول عدة مرات؛ لأن حاله تقتضي ألَّا يكون سرق وذلك لعدم وجود متاعٍ معه.
ومن فوائد الحديث: أنه يطلب من الإنسان بعد إقامة الحد أن يستغفر الله ويتوب إليه، يعني: ينبغي للقاضي أن يقول: استغفر الله وتب إليه، لجواز أن يعود مرة أخرى إلى الذنب.
فإن قال قائل: أليس قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحدود كفارة للمعاصي؟
فالجواب: بلى ثبت ذلك، لكن هنا مما يزيد توبة الله علي، ثم إنها كفارة لما مضى، والاستغفار والتوبة عما مضى وعما يستقبل، لأن من شروط التوبة أن يعزم على ألَّا يعود في المستقبل.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان إذا أمر شخصًا بالاستغفار والتوبة من أي ذنب كان أن يشرح صدره له وأن يشرح صدر التائب، فيدعو له بالتوبة، ويقول: اللهم اغفر له، اللهم تب عليه؛ لأن هذا مما ينشطه على الاستمرار في توبته.
وفي رواية الحاكم قال:"اذهبوا به فاقطعوه ثم احسموه الحسم" بمعنى: القطع، لكن القطع هنا غير القطع الذي سبقه، فإن قوله:"فاقطعوه" أي: اقطعوا يده "احسموه" أي: اقطعوا نزيف الدم، قال العلماء: وكيفية الحسم أن يغلى الزيت بالنار ثم يغمس طرف الذراع في الزيت وهو يغلي؛ لأن هذا يسد أفواه العروق؛ إذ لو بقيت أفواه العروق مفتوحة لنزف الدم ومات.