فيستفاد من هذا الحديث: وجوب حسم يد السارق.
ولكن إذا قال قائل: هل يتعين الطريق الذي ذكره العلماء بأن يغلى الزيت ثم يغمس فيه طرف الذراع؟
الجواب: لا إذا وجد طريقة أخرى يمكن بها الحسم وهي أهون من هذا فإن الواجب اتباعها لقول النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة".
فإن قيل: هل يجوز أن يبنج محل القطع حتى لا يحس به المقطوع؟
فالجواب: نعم يجوز ذلك، لأن المقصود هو إتلاف اليد وهو حاصل سواء بنج أم لم يبنج، فإن قال قائل: يرد عليكم أنه يجوز لمن أريد جلده أن يبنج.
قلنا: لا، لا يرد هذا؛ لأن المقصود بالجلد هو الإيلام، ولا يحصل بالبنج، أما المقصود بقطع اليد فهو إتلاف اليد وهو حاصل بالبنج.
فإن قال قائل: فهل تعدون ذلك إلى اليد المقطوعة قصاصًا؟
الجواب: لا، اليد المقطوعة قصاصًا لا يجوز أن تبنج، لأننا لو بنجناها لم يتم القصاص، إذ إن قطع المعتدي ليد المعتدى عليه حصل به الإتلاف والإيلام، فإذا بنِّج لم يتم القصاص، ما الذي يفوت من القصاص؟ الإيلام.
وهذه المسائل ينبغي لطالب العلم أن ينتبه لها؛ لأن بعض الناس قد يقول: اليد باليد، قطعنا يد القاطع كما قطع هو يد المقطوع. قلنا: لكن الله تعالى يقول: {والجروح قصاصٌ} [المائدة: ٤٥]. فلا بد من أن يذوق هذا ألم الجرح كما ذاقه المعتدى عليه.
فإن قال قائل: الحسم يحتاج إلى نفقة، الزيت له قيمة، غليه له قيمة، وما يقوم مقام الزيت له قيمة، فعلى من تكون أعلى الذي أقيم عليه الحد أم في بيت المال؟
قلنا: الثاني تكون في بيت المال؛ لأن إقامة الحدود من واجبات ولي الأمر، وعلى هذا فتكون في بيت المال.
فإن قيل: لماذا لا تكون على ولي الأمر؟ قلنا: لأن هذا ليس لمصلحة خاصة بل لمصلحة عامة، فيكون في بيت المال الذي هو عام للمسلمين.
ويستفاد من الحديث: اطمئنان الصحابة - رضي الله عنهم - على إقامة الحدود وانشراح صدورهم لها، فهذا الرجل الذي قطعت يده ثم حسمت إذا تأملت القصة وجدت أنه طيب النفس منشرح لم يتضجر ولم يظهر السخط مما وقع، وذلك لأن قطعه كان بأمر الله ورسوله: