للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالشيء على الغير على وجه موثق يعني: مؤكد، وقوله: "في خاصته" أي: في نفسه بتقوى الله، وتقوى الله سبحانه هي اتخاذ ما يقي من عذابه بفعل أوامره واجتناب نواهيه، قال" "وبمن معه من المسلمين خيرًا" يعني: عهد إليه أن يختار لهم الخير، لأنه ولي عليهم فيجب أن يختار ما يراه خيرًا.

ثم قال بعد هذه الوصية وهي وصية فليلة اللفظ كثيرة المعنى، لأن تقوى الله تشمل القيام بكل أوامر الله وترك نواهيه، والخير للمسلمين يشمل كل خير لهم في دينهم ودنياهم، ثم قال: "اغزوا على اسم الله" "اغزوا" الخطاب هنا للأمير ومن معه، "على اسم الله" هو قولنا: سر على بركة الله، فالمعنى: اجعل غزوك مقرونًا باسم الله عز وجل وقوله: "في سبيل الله" متعلق ب"اغزوا"، وهو إشارة إلى إخلاص النية، وقد سبق قبل قليل في حديث أبي موسى- أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ففي سبيل الله" قال: "قاتلوا من كفر بالله"، ومن كفر بالله يشمل من كان كفره بجحود أو شرك أو استهزاء أو غير ذلك، "اغزوا" هذا تكرار لقوله: "اغزوا على اسم الله" للتوكيد، "اغزوا ولا تغلوا" أي: لا تأخذوا شيئًا من الغنيمة ولا تغدروا أي: لا تغدروا بالعهد إن جرى بينكم وبين أعدائكم عهد، "ولا تمثلوا" أي: تقطعوا الأعضاء إن ظفرتم بعدوكم، "ولا تقتلوا وليدًا" أي: صغيرًا في السن.

قال: "وإذا لقيت عدوك من المشركين" أي: واجهته، وقوله: "عدوك" ولم يقل إذا لقيت أحدًا بل أتى بالعدو من أجل إثارته وإغرائه على ما يراد بهذا المشرك وقوله: "من المشركين" المراد بذلك: المشرك شركًا أكبر الذين يقاتلون على شرك، "فادعهم إلى ثلاث خصال" يعني: اطلب منهم أن يحضروا إلى هذه الخصال "فإن هم أجابوك إليها فأقبل منهم وكف عنهم" ثم بينها بقوله: "ادعهم إلى الإسلام، وصوم رمضان، وحج البيت، هذا الإسلام عند الإطلاق كما أجاب به النبي صلي الله عليه وسلم جبريل حسين سأله عنه.

"فإن أجابوك فأقبل منهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين" يعني: إذا أسلموا فاطلب منهم التحول إلى دار المهاجرين اختيارًا لا لزامًا، لأنه قال: "فإن أبوا فأخبرهم بأنهم يكونون كأعراب المسلمين"، ولو كان إلزامًا لم يقبل منهم وقوله: "إلى دار المهاجرين" الظاهر أن المراد بها: المدينة، لأنها هي التي هاجر المسلمون إليها كما قال تعالى: ? والذين تبوءو الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم? [الحشر: ٩]. ولأن هجرتهم إلى المدينة فيها تكثير المسلمين واجتماعهم في مكان واحد، "فإن أبوا فأخبرهم بأنهم يكونون من كأعراب .... إلخ"، إن أبوا التحول من دارهم إلى دار المسلمين، يعني: لهم أن يبقوا في دارهم ولكنهم يكونون

<<  <  ج: ص:  >  >>