كأعراب المسلمين، يعني: البادية، "ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن جاهدوا وهم في ديارهم استحقوا ما يستحقه المجاهدون من الغنيمة، والغنيمة هي ما أخذ من مال المشرك أو الكافر بقتال وما ألحق به وأما الفيء فهو ما أخذ بغير قتال وله موارد متعددة، منها ما يؤخذ من الكفار بغير قتال كالجزية والخراج، ومنها: الأموال المجهولة التي لا يعلم مالكها فهذه تجعل في بيت المال، ومنها: دية من لا وراث له فإنها أيضًا تجعل في بيت المال، ومنها خمس خمس الغنيمة يعني: واحدًا من خمسة وعشرين جزءًا من الغنيمة أيضًا فيئًا في بيت المال ومصرف الفيء المصالح العامة، أما الغنيمة فقد سبق بيان أنها تقسم خمسة أسهم، أربعة منها للغانمين، وواحد يقسم إلى خمسة أسهم أيضًا.
"فإن هم أبوا" يعني: أبوا الإسلام "فاسألهم الجزية" هي مال يضعه ولاة الأمر على كل كافر تحت ذمة المسلمين مثل لو كان في بلد فتحناها واستولينا عليها، ثم إننا قلنا لأهلها إذا كانوا كفارًا: تبقون فيها بالجزية كل واحد يبذل الجزية التي توضع عليه ويبقى على دينه ويستحق له ما يقتضيه هذا العقد مما هو معروف عند أهل العلم، "فإن هم أجابوك فاقبل منهم"، هاتان اثنتان " فإن هم أبوا فاستعن عليهم بالله تعالى وقاتلهم"، "إن أبوا" أي: الجزية، فاستعن عليهم بالله" أي: اطلب العون من الله تعالى عليهم وقاتلهم فبدأ أولًا بالاستعانة بالله حتى ينبني عليها الفعل، لأن الاستعانة بالله قبل كل شيء لقول النبي صلي الله عليه وسلم:"احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز" يعني: لا تتكاسل، استعن عليهم بالله وقاتلهم هكذا.
قال شراح الحديث في هذه الخصال: الإسلام أولًا ثم الجزية ثانيًا ثم القتال لكنه يشكل على هذا قوله: "فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم"، لأن القتل يختلف على هذا الشرط أفلا يمكن أن تكون الخصلة الثانية أن يتحولوا من دارهم إلى دار المهاجرين والثالثة سؤال الجزية؟ يمكن لكن يشكل على هذا أنهم إن امتنعوا من التحول من دارهم إلى دار المهاجرين لم يجز قتالهم فالحديث فيه شيء من الإشكال، وعلى هذا فيكون جملة "فإن هم أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم" يراد بها: الأكثر لا الكل وذلك لأن قتالهم ليس فيه كف وعدم تحولهم من دارهم إلى دار المهاجرين ليس فيه قتال، فيتعين أن يكون قوله:"فإن هم أجابوك إليها" يعني: باعتبار الأغلب والأكثر وإلا لبقي الحديث مشكلًا. ثم قال:"وإذ حاصرت" الحصر: بمعني التضييق، ومعني حصر أي: أحاط بهم حتى منعهم من الخروج من حصنهم إذا حصر.