أهل حصن فأرادوا أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تفعل، يعني: إذا قالوا: ننزل ونسلم أنفسنا على ذمة الله وذمة رسوله فلا تفعل لهم ذلك، والذمة يعني: العهد، لا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة رسوله وعلل النبي صلي الله عليه وسلم ذلك فقال:"فإنكم إن تخفروا ذممكم أهون من أن تخفروا ذمة الله" قوله: "أن تخفروا" بفتح الهمزة "أن" على أنها مصدرية، وهي بدل اشتمال من الكاف في قوله:"فإنكم" يعني: فإنكم خفركم، وعلى هذا فتكون "أنج مؤولة بمصدر منصوبة على أنها بدل اشتمال في قوله: "فإنكم إن تخفروا ذممكم أهون من أن تخفروا ذمة الله" وخفر الذمة يعني: نقض العهد، ومعلوم أن نقض الإنسان عهده أهون من أن ينقض عهد الله وعهد رسوله صلي الله عليه وسلم فلهذا نهاهم النبي صلي الله عليه وسلم أن يجعلوا لهم ذمة الله وذمة نبيه، وإذا أرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تفعل ولكن أنزلهم على حكمك ثم علل ذلك إذا قالوا: ننزل على حكم الله فلا تفعل بل أنزلهم على حكمك واجتهادك وذلك لأنك تدري أن تصيب فيهم حكم الله، لأنك قد تجتهد فتخطيء وحينئذ لا تكون مصيبًا لحكم الله، وقد تجتهد وتصيب حكم الله ولكن ينفسخ الحكم، لأن الوقت وقت تشريع، فلهذا قال: "فإنك لا تدري ... إلخ" نحن عللنا بأنه قد يجتهد ويخطئ وقد يحكم بصواب يكون قد نسخ ما دام الوقت وقت تشريع وسيأتي في الفوائد ما يترتب على اختلاف هذين التقديرين. هذا الحديث يعتبر أساسًا لتوجه ولي الأمر لمن ينفذه في الجهاد، لأنه ذكر فيه كل ما يحتاج من نفذ في الجهاد
ففيه فوائد: أولًا: مشروعية التأمير.
ومن فوائد الحديث: أن من هدي النبي صلي الله عليه وسلم بعث السرايا والجيوش.
فإن قال قائل: لماذا يبعث السرايا والجيوش ويتأخر؟
قلنا: لأن الدين الإسلامي له شعائر وله شرع يحتاج إلى أن يقيم الإنسان بعضها ويقيم غيره بعضها فهل كان الرسول صلي الله عليه وسلم يذهب مع كل جنازة؟ لا كانت تمر الجنازة من عنده ولا يقوم لها، لأنه يشتغل بما هو أهم من اتباع الجنازة كذلك أيضا في الجهاد هل كان يغزو مع كل جيش وسرية؟ لا بل يبقي في المدينة يعلم الناس الخير وقد أشار الله إلي ذلك في قوله: ? وما كان المؤمنون لينفروا كافة? [التوبة: ١٢٢]. فالدين الإسلامي لابد له أن يتكامل فالمؤمنون يكمل بعضهم شيئًا ويكمل الآخرون شيئًا آخر.
ومن فوائد الحديث: أنه يشرع للإمام أن يوصي الأمراء بما أوصى به النبي صلي الله عليه وسلم الأمراء وهو تقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرًا.
ومن فوائد الحديث: أنه يجب على من كان أميرًا أو وليًا أن يختار لمأموره وموليه ما هو خبر لقوله: "أوصاه ومن معه من المسلمين"، والوصية بالشيء تدل على الاهتمام به، ومن هنا