للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقتله المسلم فقضي النبي (صلى الله ع ليه وسلم) بالسلب لهذا القاتل ينفرد به من الغنيمة من بين سائر الأعيان التي تغنم.

وقوله: "قضي" هل المراد بالقضاء هنا أنه حكم شرعي ثابت أو حكم في قضية معينة تبع المصلحة؟ في هذا للعلماء قولان: الأول أنه قضاء شرعي حكم شرعي، وعلى هذا فيكون السلب للقاتل، سواء شرط له أم لم يشترط، لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قضي به، وقيل: إنه قضاء تدبيري اقتضته المصلحة، وعلى هذا فإذا رأي الإمام أن يقول للمجاهدين: من قتل قتيلاً فله سلبه استحق السلب وإن لم يقل فإن سلب المقتول يكون مع الغنيمة فأيهما الأصل أنه قضاء تدبيري أو قضاء شرعي؟ الظاهر أن الثاني أولى وأحوط، وذلك لأن الأصل إتباع النبي (صلى الله عليه وسلم) والتأسي به حتى لو فرض أنه قضاء تدبيري فإنه ينبغي لقائد الجيش أن يقضي بهذا القضاء:

{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [الأحزاب: ٢١].

فيستفاد من هذا الحديث- على احتمال أنه قضاء شرعي-: أن السلب للقاتل سواء اشترط له أم لم يشترط.

ويستفاد منه: تشجيع الإنسان على العمل الصالح بأمر دنيوي، لأن الرسول شجع على القتال وعلى قتل العدو بجعل السلب للقاتل، وعلى هذا فالجوائز التي تجعل على المسابقات الشرعية إذا دخل الإنسان المسابقة فإنه لا يحرم الأجر ما دام يريد الوصول إلى العلم، لكن جعل هذا العوض- الذي في المسابقة- حافزًا له على الدخول في البحث والمراجعة والسؤال.

ومن فوائد الحديث: أنه يشرع للإنسان أن يشجع على الخير ولو بأمر دنيوي، لأن النفوس مجبولة على محبة الدنيا والآخرة فلا حرج أن تجعل مسابقة فيها عوض لمن سبق لكن هل يجوز التفريق بين المتسابقين فيقال: من كان أجود أعطي أكثر أو لا بد أن يتساووا؟ الأول هو الجواب الصحيح ولا يلزم التساوي، ولهذا قضي النبي (صلى الله عليه وسلم) بالسلب للقاتل مع أن المقتول من العدو قد يكون سلبه كثيرًا وقد يكون سلبه قليلاً.

ومن فوائد الحديث: حسن تدبير النبي (صلى الله عليه وسلم) حيث كان يجعل المحفزات عند الحاجة إلى ذلك كما فعل هنا في جلب السلب للقاتل.

١٢٣٠ - وعن عبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه) في قصة قتل أبى جهل قال: "فابتدراه بسفيهما حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فاخبراه، فقال: أيكما قتله؟ هل مسحتما سيفيكما؟ قالا: لا قال: فنظر فيهما، فقال: كلاكما قتله، فقضى (صلى الله عليه وسلم) بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح" متفق عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>