قوله في:"قصة قتل أبى جهل" أبو جهل من أكبر زعماء قريش، وكان يكني أبا الحكم، ولكن النبي (صلى الله عليه وسلم) هو الذي كناه بأبى جهل، وهذه الكنية هي المطابقة تمامًا لحال هذا الرجل، لأن من جهله أن يرد دعوة النبي (صلى الله عليه وسلم) وليس من الحكمة أن يردها فكيف يستحق أن يكني بأبي الحكم بل هو أبو جهل وقوله: "في قصة قتل أبى جهل"، القصة: هو أن عبد الرحمن بن عوف كان بين شابين صغيرين فسألاه عن أبى جهل، فقال لهما: ماذا تريدان منه؟ فصرح أحدهما قال: والله لأن عرفته لأقتلنه أو أموت دونه ثم التفت إلهي الآخر وسارة أيضًا وقال ما قال الأول، فلما رآه عبد الرحمن قال: هذا هو الرجل الذي تريدانه؟ قال فانطلقا من عنده كالصقرين على الصيد يريدان هذا الرجل فضرباه بسيفيهما فأردياه حتى سقط على الأرض ثم جاء بعدهما عبد الله بن مسعود وأجهز عليه وحز رأسه وكان يخاطبه، لمن الدائرة الآن؟ فقال عبد الله، ورسوله يا عدو الله، ثم وضع رجله على صفحة وجهة، ابن مسعود راعي غنم يضع رجله على صفحة وجه أبى جهل زعيم قريش فقال له: لقد ارتقيت مرتقي صعبًا يا رويعي الغنم، يحقره فهذا عزة الإسلام جاء الشابان إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأخبراه أنهما قتلا أبا جهل فقال: "أيكما قتله؟ " ولعله سأل عن ذلك ليقي بالسلب للقاتل ثم قال: "هل مستحتما سيفيكما؟ "
قال: لا، فنظر في السيفين وإذا كلاهما متغمص بالدم فعرف أنهما قتلاه جميعًا.
يقول:"فقضي (صلى الله عليه وسلم) بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح".
في هذا الحديث فوائد متعددة منها: أن الشجاعة قد تكون في قلوب الصغار، لأن هذين الشابين سألا عبد الرحمن بن عوف عن أبى جهل وقالا هذه الكلمة العجيبة: لأقتلنه أو أموت دونه، وهذا يدل على التصميم التام في قلهما أبا جهل.
ومن فوائد الحديث: أنه يجوز للإنسان أن يتخلف عن فرض الكفاية إذا قام به من يكفي؛ لأن عبد الرحمن يشاهد أبا جهل، وليس بذاك الرجل الجبان لكنه لما رأي هذه الشابين يريدان قتله اكتفى بهما وهذا هو القاعدة في فرض الكفاية أنه إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين.
ومن فوائد الحديث: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) لا يعلم الغيب لقوله: "أيكما قتله"، فيكون رد لقول الخرافيين الذين يدعون أن النبي (صلى الله عليه وسلم) يعلم الغيب حتى بعد موته، يقولون: إنه يعلم الغيب يحتجون بشبهات مثل قوله النبي (صلى الله عليه وسلم): "فإن صلاتكم تعرض على"، ومثل ما ورد في بعض الآثار أن أعمال الأمة تعرض عليه، فيقال: لا يلزم من عرضها عليه أن يكون عالمًا بها قبل وقوعها ولا عالمًا بها قبل أن تعرض عليه أيضًا فهو (صلى الله عليه وسلم) لا يعلم الغيب لا حيًا ولا ميتًا.