لا شك فيه، ووجه بطلانه من الشرع: قول الله - تبارك وتعالى: {أفرأيتم النار التي تورون (٧٦) أنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون} [الواقعة: ٧١ - ٧٢]، فبين الله تعالى أن الذي أنشأ شجرة النار والتي تنقدح بها النار هو الله (عز وجل) وبين أنه جعلها متاعًا للمقوين، وتذكرة للمتقين، وأما الواقع فإن الله -سبحانه وتعالى- قال للنار التي ألقى فيها إبراهيم:{كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم}[الأنبياء: ٦٩] فكانت بردًا وسلامًا ولم تحرقه ولو كان إحراقها بذاتها لأحرقته بذاتها إذن بطل الطرفان الأول والثاني أيهما أبعد عن المعقول والفطرة؟ الأول أبعد عن المعقول والفطرة.
أما القول الوسط وهو الحق- والغالب أن القول الوسط هو الصحيح- فيقول: إن للأسباب تأثيرًا ولكن لا بذاتها، بل بما أودع الله فيها من القوة المؤثرة وبهذا نسلم من شرك من جعلوها مؤثرة بذاتها ونسلم من سفه القول بأنها لا تؤثر.
من فوائد الحديث: أن مكة فتحت عنوة بالسيف لا بالصلح لقوله: "وعلى رأسه المغفرة"، وهذا يدل على أنه فتحا عنوة لا صلحًا، وهذا هو الصحيح.
فإن قال قائل: لماذا لم تقسم مكة على الغانمين إذا كانت فتحت عنوة كما قسم النبي (صلى الله عليه وسلم) أرضي بني النضير وبني قريظة؟
فالجواب عن ذلك من أحد وجهين: إما أن نقول: إن قسم الأراضي المغنومة راجع إلى الإمام فإن رأي مصلحة في القسم قسم وإن رأي مصلحة في الإيقاف أن توقف وتجعل وقفًا للمسلمين ويضرب عليها الخراج فعل، وإن رأي أن تكون وقفًا بدون خراج فعل، وإن رأي أن يمن بها على أهلها فعل، الوجه الثاني: أن المانع من قسمة مكة هو أن مكة مشعر من المشاعر فيكون في هذا دليل على أن مكة لا تقسم كما هو قول كثير من العلماء أن مكة كمني وعرفة ومزدلفة مشعر لا يمكن أن يجري فيها القسم لكن يجري فيها الأحقية، فمن كان تحته دار أو ما أشبه ذلك فهو أحق بها من غيره، لكن لا يملكها، والمسألة فيها أقوال، أظن أننا ذكرناها في الكلام على زاد المستنقع فلا حاجة للإعادة.
ومن فوائد الحديث: أنه لا يجب الإحرام على من دخل ولو تباطأ العهد، وجه الدلالة: أن النبي دخلها وعلى رأسه المغفر والمحرم لا يمكن أن يلبس المغفر، واختلف العلماء في تخريج هذا فمنهم من قال: إنه لا يجب الإحرام على داخل مكة إذا دخلها لقتال مباح والنبي (صلى الله عليه وسلم) دخلها لقتال مباح، فكل من دخلها لقتال مباح فإنه لا يلزمه الإحرام لأنه سيشتغل بالقتال عن النسك، ومنهم من قال: إنه لا يجب على من أدي فريضة العمرة والحج ثم دخل مكة أن يحرم وهذا المأخذ هو الصحيح- أن من دخل مكة وقد أدي الفريضة فلا إحرام عليه- ويدل لذلك أن النبي (صلى الله عليه وسلم) لما أخبر أن الله فرض علينا الحج قال الحج قال رجل يا رسول الله أفي كل عام؟ قال: