الجملة كالبيان لقوله {أو فسقًا} , يعني: يبين ما هو الفسق, هو الخروج عن الطاعة, والذي أهل لغير الله به مذبوح على الشرك فيكون حرامًا وإن كان هو في ذاته ليس بخبيث, لكن لما ذبح لغير الله صار خبيثًا لا خبثًا ذاتيًا ولكنه خبث معنوي, ولذلك فصله عن قوله: {رجس} ليتبين أن ما حرم من أجل ذبحه لغير الله ليس لقذارته بذاته, بل قد يكون من أنقى ما يكون ذبحًا, لكنه من أجل أنه خبيث معنى, وهذه الآية استدل بها ابن عمر على حل القنفذ؛ لأن القنفذ ليس مذكورًا في هذه الأربع, وعلى هذا فيدخل في الحلال, وهذا استدلال جيد, ولكن الآية الكريمة لا ينافيها ما ثبت تحريمه بعد ذلك؛ لأن الله قال له: {قل لا أجد في ما أوحي إلي} , ولم يقل: "لا أجد فيما يوحى إلي", و {أوحي} فعل ماض يدل على أن ما مضى مما أوحي ليس فيه تحريم إلا هذه الأشياء الأربعة, أما المستقبل فله شأن آخر' ولذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرم لحوم الحمر الأهلية مع أنها ليست مما ذكر, وكذلك كل ذي مخلب من الطير وكل ذي ناب من السباع, وعلى هذا فلا يكون ما ذكر بعد نزول هذه الآية لا يكون نسخًا لهل؛ لأن الآية لم تدل على تعميم الحكم وإنما دلت على تعميم الحكم فيما مضى. وقوله: ثم إن رجلاً مجهولاً قال لعبد الله بن عمر: أنه سمع أبا هريرة يقول: ذكر القنفذ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنها خبيثة من الخبائث" والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنها خبيثة", ولم يقل: إنها حرام؛ لأنه من المعلوم: أن الخبائث محرمة, فاكتفى بالوصف عن ذكر الحكم, فقال ابن عمر: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك فهو كما قال؛ يعني: إن كان قال ذلك فهو كما قال, ولا ينافي الآية؛ لأن الآية ليس فيها حصر التحريم فيما يستقبل, إنما حصر التحريم فيما مضى, فلا ينافي أن يأتي حكم يحرم ما لم يذكر فيها.
في هذا الحديث فوائد أولاً: جواز ذكر الدليل دون ذكر المدلول, يعني: ذكر دليل الحكم دون ذكر الحكم, وجهه إجابة عبد الله بن عمر بتلاوة الآية ولكن هذا مقيد بما إذا كان السائل يعرف أن يستنبط الحكم من الدليل, أما إذا كان عاميًا بحتًا لا يعرف فإنه لابد أن يذكر له الحكم فيقال: هذا حرام, ثم إن كان في الاستدلال لذلك الحكم مصلحة استدل وإلا فلا يفعل, وجه ذلك: أن العامي إذا ذكرت له الحكم ثم الاستدلال ربما يترخص في المستقبل ولا يفرق بين الحكم والدليل, فصار في هذه المسألة تفصيل: إن كان المستفتي يعرف استنباط الحكم من الدليل فإنه يجوز أن يذكر الدليل دون الحكم ليفهمه الإنسان من الدليل, وإن كان لا يعرف فلابد من ذكر الحكم, ثم إن كان من المناسب والمصلحة أن يذكر الدليل فهو أولى من أجل أن يكون المستفتي معتمدًا على الدليل فيكون ذلك أطمن لقلبه وأقوم لحجته وإن كان ليس من المناسب ذكر الدليل فلا يذكره؛ لأن المقصود معرفة الحكم, والناس يختلفون في هذا.