وقوله: "وإن رميت بسهمك" ظاهرة العموم؛ أي: لو قدر أن السهم كان من العظام فإنه يحل, فهل نأخذ بهذا العموم؟ الجواب: لا؛ النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا إلا السن والظفر, فإن غاب عنك يوماً فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت", وهذه من نعمة الله وتيسيره إذا رميت الصيد وهر سواء كان طائرًا أم زاحفًا هرب ثم وجدته بعد ذلك ولم تجد فيه إلا اثر السهم فكل مع احتمال أن يكون هذا الصيد قد مات عطشًا أو جوعًا, ولكن يحال الحكم على الظاهر وهو السهم الذي أصابه فيحل. "وإن وجدته غريقًا في الماء فلا تأكل", وانتبه لقوله: "غريقًا في الماء فلا تأكل", ولم يقل: إن وجدته في الماء؛ لأنني قد أجده في الماء حيًا يتحرك حركة المذبوح ثم يموت, أو أجده في الماء وأعلم أن الماء لا أثر له في قتله لكون الجرح موحيًا, يعني: مصيبًا إصابة قاتلة, كأن يصيبه في قلبه أو ما أشبه ذلك فإنه يحل؛ لأنني وجدته وليس غريقًا في الماء بل الماء لا أثر له في قتله, كلام النبي صلى الله عليه وسلم محكم: كل الفرق بين قول: وإن وجدته في الماء, وقوله: "وإن وجدته غريقًا في الماء فلا تأكل" هذا معنى الحديث.
أما فوائده فكثيرة منها: أن الله -سبحانه وتعالى- لم يضيق أسباب الرزق, ولم يغلق أبوابه بل الأبواب مفتوحة, فكل طريق يوصل على الرزق فهو حلال, إلا إذا قام الدليل على تحريمه سواء كان صيدًا أو حرثًا في الأرض أو بيعًا أو شراء أو غير ذلك, دليل هذا أن الشارع جعل من جملة أسباب التملك الصيد.
ومن فوائد الحديث: التوسعة على الأمة, فإن الصيود -كما نعلم- ليست سهلة, يعني: لا تمسك باليد ولا بالمطاردة, فيسر الله -سبحانه وتعالى- الأسباب لاقتناصها وجعل لها آلة تحيط بها, وهي الكلاب والسهام, ولكن قد يقع التسهيل لاقتناص الصيود امتحانًا مثل قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب} [المائدة: ٩٤]. وذلك أن الله تعالى أرسل الصيود على الصحابة وهم محرمون حتى كانت أيديهم تناله ورماحهم, اليد تنال ما على الأرض, كالأرانب والظباء والرماح, وتنال ما يطير الرمح يقذفه الإنسان بيده, وليس من العادة أن الإنسان يقتنص الصيد الطائر بالرمح لكن الله تعالى ابتلى الصحابة ليعلم الله من يخافه بالغيب فعلم الله عز وجل أن هؤلاء الصحابة الأخيار يخافونه بالغيب, ولم ينقل عن أي واحد أنه أخذ الصيد الزاحف الذي يناله باليد أو الطائر الذي يناله بالرمح, وهذا مما يدل على كمال هذه الأمة ولله الحمد, فإن بني إسرائيل ابتلاهم الله تعالى بالحيتان يوم