وهذه المسألة اختلف العلماء- رحمهم الله- فيها هل يكفي إنهار الدم بدون قطع الحلقوم والمريء أو لابد من قطع الحلقوم والمريء؟ وهل إذا قلنا: لابد من قطع الحلقوم والمريء يكتفي بهما عن إنهار الدم أو لابد مع ذلك من إنهار الدم.
نقول: إن الحديث ظاهر في أنه لابد من إنهار الدم وسكت النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلقوم هو مجرى النفس وعن المريء الذي هو مجرى الطعام سكت عنه.
قد يقول قائل: سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عنها لأن من أنهر الدم من الودجين فقد قطع الحلقوم والمريء إذ إن الحلقوم أبرز من الودجين فإذا قطع الودجين فلابد أن يقطع الحلقوم والمريء، فيقال: هذا ليس بصحيح؛ إذ قد يقطع الودجين دون أن يقطع الحلقوم والمريء مثل أن يقطعها بمبراة صغيرة يقطع العرق وكذلك العرق الآخر فليس بلازم أنه إذا قطع الودجين قطع الحلقوم والمريء.
وليعلم أن أكمل الحالات أن يقطع الأشياء الأربعة: الودجين والحلقوم والمريء هذا أطيب شيء وأذكى شيء يحصل بذلك إنهار الدم وقطع مادة الحياة التي هي الحلقوم والثاني المريء لأن الحلقوم به قطع النفس والمريء قطع الطعام والشراب وبالنفس والشراب تكون الحياة كما أن بالدم تكون الحياة فأكمل ذلك أن تقطع الأربعة.
يلي هذا أن تقطع الودجين والحلقوم فإن الصحيح أن الذبيحة تحل بقطع الودجين والمريء يلي ذلك أن تقطع الودجين مع المريء وهذه صعبة لأن المريء داخل الحلقوم، يعني: تحته لكن قد يكون مثلا إنسان رمى بندقية وأصابت الودجين، يعني: رماها لأنه غير قادر على الذبح أو قادر ولكن أصاب الودجين والمريء المهم يكون هذا هو المرتبة الثالثة.
المرتبة الرابعة: قطع الودجين فقط وهذا أيضاً تحل به الذبيحة، الدليل أن في ذلك إنهار للدم ولهذا إذا قطع الودجين فإنه يراهما يشحبان دماً.
المرتبة الخامسة: أن يقطع المريء والحلقوم دون الودجين ففي حل ذلك خلاف والمشهور من المذهب أنها تحل وأن الشرط هو قطع الحلقوم والمريء وإن لم يقطع الودجين لكن القول بالحل هنا فيه نظر، وجه النظر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه» وهذا لا ينهر الدم، صحيح أنه بعد مدة طويلة يموت الحيوان لأنه ينضب الدم لكنه لا ينهره وأيضاً قد روى أبو داود في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شريطة الشيطان وهي التي تذبح ولا تفرى الأوداج وهذا الحديث وإن كان فيه مقال لكنه يشهد له حديث ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل.