قوله:"لم يعطهن أحد" ممن؟ من الأنبياء وغيرهم. "قبلي"، ولماذا لم يقل: ولا بعدي. لأنه لن يأتي رسول من بعده.
الأول: قال: "نصرت بالرعب مسيرة شهر" نصرت، والناصر هو الله عز وجل {ولينصرن الله من ينصره}[الحج: ٤٠]. وقال تعالى:{فنعم المولى ونعم النصير}[الحج: ٧٨]. وقوله:"بالرعب" أي: الخوف الذي يلقيه الله - تبارك وتعالى- في قلوب الأعداء كما قال تعالى في بني النضير:{وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين}[الحشر: ٢]. ولا شك أن الرعب في العدو أقوى سلاحا بفتك به؛ لأن من في قلبه الرعب لا يمكن أن يثبت قدمه لأبد أن يهرب ولا يمكن أن يستقر، فالرعب من أعظم، بل إن لم أقل أعظم سلاح بفتك بالعدو.
وقوله:"مسيرة شهر" يحمل هذا على ما كان معروفا في عهد الرسول - عليه الصلا والسلام- وهو سير الإبل المحملة وليس في كل زمان ومكان؛ لأننا لو قلنا بهذا لكان في زماننا مسيرة شهر يبلغ كل المعمورة مشارق الأرض ومغاربها؛ لأن المراد ما كان معروفا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
والثاني: يقول: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا} هذا الشاهد ف"الأرض" هنا "أل" فيها للعموم؛ أي: كل أرض مسجدا، أي محلا للصلاة، وأصله محل السجود، لكن السجود يطلق على الصلاة، فيكون المعنى: مسجدا، أي: محلا للصلاة، أي مكان، : وطهورا" الطهور بالفتح ما يتطهر به، فوصف الله الأرض بأنها طهور، وأطلق ولم يقل: الأرض ذات التراب، ولا ذات الأشجار أطلق، وقال:"طهورا" كما قال: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا {[الفرقان: ٤٨]. ليتطهر به، والأرض طهور كما أن الماء طهور، "فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل" هذه جملة شريطة مكونة من فعل الشرط وهي "أدركته الصلاة"، وجوابه وهو قوله:"فليصل"، وإدراك الصلاة يكون بدخول وقتها فليصل في أي مكان؛ لأنه إن قال: أريد أن أؤخر لأجل أن أتوضأ بالماء.
قلنا له: الأرض طهور، وإذا قال: أؤخر الصلاة لأجد مكانا أطمئن إليه أكثر. قلنا: الأرض مسجد لا عذر لك، عندك طهورك وعندك مصلاك فلا عذر لك.
قال:"وذكر الحديث"، وينبغي أن نذكره لما فيه من الفائدة:"وأحلت لي الغنائم". هذه الثالثة:"ولم تحل لأحد قبلي""الغنائم": ما يأخذه المسلمون من أعدائهم بقتال وما ألحق به، وكانت فيما سبق تجمع وينزل الله عليها نارا من السماء فتأكلها؛ ولذها احتج المكذبون للرسول - عليه الصلاة والسلام- بقولهم: يأتينا بقربان تأكله النار، فكانوا فيما سبق يجمعون