البخاري ففيها دليل على تحريم البول في الماء الدائم الذي لا يجري، ويفهم منها جواز البول في الماء الذي يجري؛ لأن قده ب "الدائم" يدل على أن غير الدائم لا بأس به لكن بشرط ألا يفسده على غيره أو يقذره عليه، فإن كان هذا الماء يجري؛ يجري على أناس - مستخفين على الساقي- يتوضئون أو ما أشبه ذلك فهنا لا يحل له أن يفعل لا لأنه يشمل النهي، ولكن من أجل إيذاء المسلمين، وأذية المسلمين لا تجوز.
ومن فوائد الحديث:[وهل] يجوز الغائط في الماء الدائم الذي لا يجري؟ لا، لا يجوز، وهذا قول داود الظاهري رحمه الله، حيث إنه يقول: يجوز الغائط في الماء الدائم. قالوا: وهذا من أقبح ما ينتقد عليه في ظاهريته؛ يعني: البول الذي ربما يختلط بالماء ويضمحل لا يجوز وهذا يجوز أي: الغائط، لكن له أن يدفع، يقول: الغائط مشاهد ويمكن أن تتحرز منه، لكن البول يختلط بالماء ولا يمكن أن تتحرز منه، لكن لا تنفع هذه المدافعة؛ لأنه حتى ولو كان يشاهد سوف يستقر في الماء؛ فالصواب تحريم هذا، وهذا عليه جمهور الأمة، لكن ذكرناه من أجل الاطلاع فقط، وأن الجامدين على الظاهر أحيانا يأتون بالعجب العجاب كقولهم: يجوز أن يضحي بالجذع من الضأن ولا يجوز أن يضحي بالثنية، تعرفون الجذع الصغير والثنية أكبر منه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن". أيهما أولى؟ الثنية؛ لأن الرسول قال هذا على سبيل النزول، ومثل ذلك أيضا قولهم: لو أن رجلا استأذن ابنته البكر، وقال: إنه خطبك فلان وهو رجل طيب مستقيم ذو مال وجاه، فقالت: هذا الذي أريده زوجني إياه؛ فإنه لا يحل له أن يزوجها، ولو قال لها: خطبك رجل ذو خلق ودين وعلم وجاه، فسكتت فإنه يزوجها.
الأولى لا يزوجها لماذا؟ ما سكتت، والرسول - عليه الصلاة والسلام- قال في البكر:"إذنها أن تسكت". مثل الجمود على هذه الظاهرية لا شك أنه خطأ فادح لكن ذكرناه لأنه ربما يأتي بعض الناس ليس في مثل هذا القبح لكن أقل فيأخذ بالظاهر ولا يلتفت إلى القواعد العامة في الشريعة.
إلا أني بعد هذا أقول لكم: إن ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" قال: إن مذهب الظاهرية خير من مذهب أهل التأويل المولعين بالمعاني؛ وذلك لأن أهل التأويل يردون النصوص لعقيدة فاسدة، فمثلا يقولون: يجوز أن تزوج المرأة نفسها بغير ولي كما يجوز أن