قصد أن يتعبد لله بصيام شهرين، لكن قصده أن يلزم نفسه بألا يلكم فلانًا ورأى أن صيام الشهرين ثقيل على النفس فربط نذره بذلك، هذا قال العلماء: إنه يخير بين كفارة اليمين وبين فعل المنذور وهذا غير القسم الذي قبله، لأن القسم الذي قبله؛ نذر أن يفعل شيئًا وهذا نذر نذرًا معلقًا علي فعل شيء فهو نذر يمين، فيقال لهذا الناذر أنت الآن بالخيار إن شئت كلِّم زيدًا وإذا كلمت زيدًا فإن شئت كفر كفارة يمين، وإن شئت صم شهرين كما نذرت، وهذا يسميه العلماء نذر اللجاج والغضب؛ لأن الذي يحمل عليه غالبًا هو الغضب والملاجة.
الخامس: النذر الذي لم يسم بأن يقول: لله عليّ نذر فقط ولا يتكلم بشيء فهذا حكمه حكم اليمين يعني: تلزمه كفارة يمين كما جاءت به السنة. هذه أقسام النذر.
أما حكم النذر فلنقرأ حديث ابن عمر (الذي معنا) قال: "نهى عن النذر" وقال: "إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل"، قوله:"نهى عن النذر" أي: بجميع أقسامه، كل الأقسام الخمسة منهي عنها، حتى نذر الطاعة منهي عنه، وأما من قال من العلماء- رحمهم الله وعفا عنهم-: ينبغي أن ينذر كل نافلة لتنقلب فريضة، فهذا قول مخالف للنص أولاً: أن الله قال: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجنَّ قل لاَّ تقسموا}[النور: ٥٣]. افعلوا العبادة من ذات أنفسكم بدون إكراه وبدون إجبار.
ثانيًا: كيف نقول: أن النذر هنا سنه والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عنه، لكن أكثر ما يؤتي الناس كما قال الإمام أحمد من القياس الفاسد أو التأويل، هذا قياس فاسد؛ لأنه كيف يقال للشخص: إذا أردت أن تصلي راتبه الظهر، قل: لله عليّ نذر أن أصلي راتبه الظهر، من أجل أن يجب عليه الوفاء بها فيثاب ثواب الواجب؟ نقول: سبحان الله، الله عز وجل يقول:"لا تقسموا طاعة معروفة" يعني: عليكم طاعة معروفة بدون يمين وبدون إلزام للنفس، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر، وربنا سبحانه وتعالى يقول:{فإن تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}[النساء: ٥٩]. ولولا هؤلاء العلماء الذين نقل عنهم ذلك لولا أننا نثق بأنهم مجتهدون لا يريدون إلا الحق لكن فضل الله يؤتيه من يشاء، لقلنا: إنهم آثمون بهذا القول، لكن الحمد لله المجتهد من أمة محمد أن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر والخطأ مغفور.
يقول: نهى عن النذر، ثم علل النهي فقال: إنه لا يأتي بخير؛ لأن بعض الناس ينذر